الأطعمة المصنّعة تثير سلوكًا إدمانيًا يشبه تعاطي المخدرات|دراسة توضح التفاصيل

في وقت تُسيطر فيه المنتجات الغذائية المعالَجة والمصنّعة على رفوف المتاجر، ومحتوى الإعلانات، والوجبات اليومية لملايين البشر حول العالم، أطلقت دراسة طبية حديثة ناقوس الخطر حول تأثير هذا النوع من الطعام على الدماغ والسلوك البشري، مؤكدة أنه لا يسبب السمنة فقط، بل قد يؤدي إلى سلوكيات إدمانية شبيهة بتلك المرتبطة بتعاطي المخدرات أو الكحول.
الدراسة، التي نشرتها British Medical Journal وأجراها فريق من الباحثين في جامعة ميشيغن الأمريكية بالتعاون مع مراكز أبحاث في أستراليا والمملكة المتحدة، اعتمدت على تحليل بيانات آلاف المشاركين، إلى جانب مراجعة عشرات الدراسات السابقة، وتوصلت إلى نتائج مقلقة:
الأطعمة المعالجة، وخاصة تلك الغنية بالسكريات المكررة والدهون المشبعة، تؤثر على مراكز المكافأة في الدماغ بطريقة تحفّز سلوكيات الإدمان، وتدفع الإنسان إلى الإفراط في تناولها رغم وعيه بمخاطرها الصحية
ما المقصود بسلوك "إدمان الطعام"؟
يشير المصطلح إلى نمط من الأطعمة الغذائية تتسم بفقدان السيطرة على الكمية المستهلكة من الطعام، والانشغال الدائم به، والشعور بالذنب بعد تناوله، مع العجز عن التوقف عنه، وهي سمات تتقاطع مع التشخيصات الإكلينيكية للإدمان السلوكي.
وفقًا للدراسة، فإن هذا النمط يُلاحظ بكثرة لدى الأشخاص الذين يتناولون الأطعمة مثل:
- رقائق البطاطس (الشيبسي)
- الشوكولاتة والحلويات الجاهزة
- الوجبات السريعة والمجمدة
- المشروبات الغازية والعصائر المحلاة
- المخبوزات الصناعية والمقرمشات
كيف تعمل هذه الأطعمة على الدماغ؟
من الناحية البيولوجية، فإن الدماغ البشري مصمم للبحث عن مصادر الطاقة العالية وهي سمة تطورية تعود لآلاف السنين حين كان الغذاء نادرًا. ولكن الشركات الغذائية الحديثة طورت تركيبات غذائية فائقة التحفيز، تمزج بين السكريات والدهون والنكهات الاصطناعية، ما يؤدي إلى إفراز كميات كبيرة من مادة الدوبامين، المرتبطة بمشاعر المكافأة والمتعة.
وبمرور الوقت، يعتاد الدماغ على هذه "الجرعة المرتفعة" من المتعة، ويطلب المزيد، ما يؤدي إلى تكرار السلوك القهري، وانخفاض الحساسية الطبيعية لمراكز الشبع.
من الأكثر عرضة لهذا النوع من الإدمان؟
تشير الدراسة إلى أن بعض الفئات أكثر عرضة لسلوك الإدمان الغذائي، ومنها:
المراهقون والأطفال: بفعل التعرض المكثف للإعلانات، وسهولة الوصول للأطعمة المصنعة.
الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب أو القلق.
الفئات منخفضة الدخل التي تلجأ إلى الطعام الأرخص والأسرع، وغالبًا ما يكون مصنعًا وفق تركيبات عالية التحفيز.
النساء أكثر عرضة بحسب بعض الدراسات لتطور هذا السلوك بسبب التغيرات الهرمونية والضغوط النفسية.
انعكاسات اجتماعية وصحية خطيرة
يشير التقرير إلى أن هذا النمط الغذائي يرتبط بارتفاع معدلات:
- السمنة المفرطة
- مرض السكري من النوع الثاني
- ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب
- الاكتئاب واضطرابات المزاج
- اضطرابات الأكل مثل الشره المرضي وفقدان الشهية العصبي
وهو ما يضع عبئًا اقتصاديًا متزايدًا على أنظمة الرعاية الصحية في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء.
الدعوة إلى تغيير السياسات الغذائية
دعت الدراسة صناع القرار والجهات التنظيمية إلى اتخاذ خطوات حاسمة لمواجهة انتشار هذا "الإدمان الغذائي"، من بينها:
- فرض قيود على الإعلانات الموجّهة للأطفال
- إضافة تحذيرات صحية على عبوات بعض المنتجات
- تشجيع صناعة الأغذية الصحية وتوفيرها بأسعار مناسبة
- دعم حملات التوعية بمخاطر الإفراط في تناول الأطعمة المعالجة
- توفير برامج سلوكية ونفسية لمساعدة الأفراد على التخلّص من التعلق المرضي بالطعام
كما طالبت بتوسيع الأبحاث حول "إدمان الطعام" ليُدرج ضمن الدلائل التشخيصية للأمراض النفسية والسلوكية، إلى جانب الإدمان على التكنولوجيا أو القمار أو المواد المخدرة.
يرى الخبراء أن مواجهة هذا النوع من الإدمان لا تتطلب فقط تغييرات فردية في نمط الحياة، بل تحولًا مجتمعيًا وثقافيًا في طريقة فهمنا للطعام ومكانته في حياتنا. فمع تزايد الأدلة العلمية، لم يعد من المقبول التعامل مع الأطعمة المصنّعة كخيار غذائي عادي، بل باتت تمثل تحديًا صحيًا عالميًا يحتاج إلى تدخل جماعي على مستوى السياسات، التعليم، والإعلام.