عاجل

هوية ومصير مشترك.. «أزهر فلسطين» يرد على المشككين في دور مصر في أزمة غزة

محمد الهادي مصطفى
محمد الهادي مصطفى السعافين

وسط محاولات التشكيك في الموقف المصري والدعم الأزهري للقضية الفلسطينية تعالت أصواتٍ من غزة لتخرس ألسنة المزايدين والمشككين على الموقف المصري، حيث كتب محمد الهادي مصطفى السعافين المدير الأسبق لمكتب عميد المعاهد‏ الأزهرية بفلسطين‏ وشيخ الطريقة الشاذلية الدرقاوية‏ ليؤكد أن مصر لم تتخلَ والأزهر لم يغِب.

وكتب من خلال صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”: في خضمِّ العواصف السياسية والإعلامية وبين موجات التشكيك والتأويل، يبقى التاريخ شاهدًا صادقًا لا تحجبه الصراخات المؤقتة، ولا تضلله الغايات الضيقة. ويحق لنا اليوم -نحن أبناء غرْة- أن نقولها بوضوح: "لم تتخلَّ مصر عن غرْة، ولم يغِب الأزهر عن فلسطين" !.

مصر وفلسطين.. رابطة دم وهوية ومصير مشترك

وتابع: على مدى عقود طويلة، لم تكن العلاقة بين مصر وغرْة علاقة حدودٍ أو مصالح، بل كانت رابطة دم وهوية ومصير مشترك، ويكفينا أن نذكر -على سبيل المثال- أن جلَّ قيادات العمل الوطني الفلسطيني، من مختلف التوجهات، تخرجوا في الجامعات والمعاهد المصرية، التي فتحت أبوابها لهم مجانًا، فنهلوا من علومها، وتشبعوا بروحها التحررية والقومية، فخرجوا قادة رأي، وروَّاد علم وبناء، دون أن تطلب منهم ردَّ جميل أو سيرٍ في فلك !

علماء الشريعة في قطاع غزة أزهريون

أما علماء الشريعة في قطاع غزة، فإن غالبيتهم العظمى -إلى وقت قريب- هم من خريجي الأزهر الشريف، الذي ظل على الدوام حضنًا علميًا وفكريًا لفلسطين. ولقد شهد الشيخ عبد الحميد السائح، أحد رموز العلم والسياسة، كيف أن لقاءاته وزملاءه في ساحة الأزهر بالنخب الوطنية المصرية كانت تشكل منعطفًا في وعيهم الثقافي والسياسي، حيث لم يكن الأزهر مدرسة للعلوم الدينية والعربية فحسب، بل كان منارة للحرية، ومحضنًا للروح القومية والإسلامية في آنٍ واحد.

وإذا ما عدنا إلى أرض الواقع، سنجد أن مصر هي التي شيَّدت أكبر المستشفيات في قطاع غرْة، ومنها: مستشفى الشفاء الذي تسمعون عنه، والذي ما زال إلى يومنا هذا يستقبل الجرحى والمصابين، وهي التي أنشأت أول معاهد دينية حديثة في غزة عبر "المعاهد الأزهرية" التي تنتشر في غرْة والخليل، والتي خرَّجت مئات الدعاة المصلحين، وكان لها الدور الأكبر في تشكيل الوعي الديني الوسطي في القطاع.

ولا ننسى أن أقدم جامعتين في غرْة "الجامعة الإسلامية" و"جامعة الأزهر" خرجتا إلى النور بمباركة من فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، وبدعم متواصل من رجالات الأزهر، بعد جهود كبيرة بذلها شيخ قريتنا، الأستاذ الإمام محمد حسن عواد الفالوجي، عميد المدرسة الأزهرية في فلسطين.

قانون الأسرة المصري يحكم غزة

أما النظام القضائي الشرعي في غرْة، فهو حتى يومنا هذا يسير على قانون الأسرة المصري، الذي نظمته مصر في فترة إدارتها للقطاع، وهو القانون الذي لا يزال نافذًا حتى الآن، شاهدًا على عمق الأثر المصري في المؤسسات القضائية الفلسطينية.

دماء مصرية على أرض غزة

وإبان إدارة مصر لقطاع غزة، تم تأسيس المجلس التشريعي الفلسطيني الأول، الذي ظل إلى اليوم رمزًا لهوية وطنية لا تُمحى رغم تدميره مؤخرًا، صيغت تحت راية عربية خالصة، هذا إلى جانب عشرات المساجد والمدارس التي ما تزال تحمل أسماء ذات دلالة على عمق العلاقة المصرية الفلسطينية "مدرسة القاهرة، مدرسة جمال عبد الناصر" ومنها "مدرسة فلسطين" التي تخرج فيها والدي قبل انتقاله للأزهر.

وعلى تراب غرْة ما زالت تفوح رائحة دماء الجنود المصريين، الذين قضوا بالأمس دفاعًا عن فلسطين، وارتقوا شهداء على أرضها الطاهرة. واليوم، وفي قلب المعركة التي لا تهدأ، كانت مصر وما زالت تبذل كل جهد ممكن لوقف العدوان على غرْة، وتخفيف المعاناة عن أهلها، من خلال مفاوضات شاقة، ودعم إنساني متواصل، وقوافل إغاثة لا تنقطع.

ضمير الأمة.. ماذا قدم الأزهر للقضية الفلسطينية؟

أما الأزهر الشريف، فقد أثبت في كل مرة أنه ليس مؤسسة دينية صامتة، بل هو ضمير الأمة؛ فمنذ اندلاع الحر.ب الأخيرة، أصدر أكثر من 15 بيانًا رسميًا، بلغة قوية واضحة، يناصر فيها الحق الفلسطيني، ويؤكد شرعية الدفاع عن الأرض والمقدسات، وعندما سُحب أحد هذه البيانات مؤخرًا، لم يكن ذلك تراجعًا عن مبدأ، بل التزامًا بمقتضيات التهدئة التي قد تفتح أبواب الأمل، وقد قالها الأزهر ضمنًا: "سحب البيان ليس ندمًا، بل حكمة حتى لا يؤثر على مجريات التفاوض" ودليل ذلك أنه مع سحب البيان لم يتنصل مما جاء فيه، لكن هناك من لا يُحب الحق إلا أن يظهر على لسانه فقط، ولا يريد للأزهر وشيخه خيرًا قط !!.

ولم يقتصر موقف الأزهر على البيانات، بل تحرك ميدانيًا، عبر بيت الزكاة والصدقات المصري، الذي سير 11 قافلة إغاثية كبرى إلى غرْة، حملت مئات الشاحنات من الطعام والدواء والخيام. كما تكفل الأزهر خلال العامين الماضيين بعلاج عشرات الجرحى في مستشفياته التعليمية، وفتح أبوابه لجميع الطلبة الفلسطينيين المقيمين في مصر دون رسوم، بل شكَّل لجنة خاصة بهم، وفر لهم السكن في بيت الشباب بمدينة ١٥ مايو بحلوان مع الرعاية الصحية والتعليمية والترفيهية المتكاملة.

وقدَّم الأزهر مئات المنح المجانية في تخصصات الطب، والزراعة، والهندسة، والعلوم، والشريعة، والقانون، دون أن يُعلن عن ذلك في بيانات استعراضية؛ لأنه يرى في فلسطين واجبًا لا منَّة.

ومنذ توليه مشيخة الأزهر، لم يتوقف فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب عن دعم القضية الفلسطينية، بل سعى لإنهاء الانقسام الفلسطيني عبر الوثيقة المصرية، التي حملت بنودًا واضحة لإعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، ووضع تصورات عملية لنهضة الشعب الفلسطيني، وقد رحب في بيته الكبير بكل أطياف الشعب الفلسطيني دون أي تفريق بينهم؛ فغايته بذلك فلسطين وفلسطين وحدها !!.

وتساءل: لماذا يُساء للأزهر اليوم؟ ولماذا تُشوَّه المواقف المشرِّفة لمصر؟ من ذا الذي يملك حق المزايدة على الدماء، والعلم، والخبز، والدواء، والمواقف؟، مشددًا إن صوت غزة يقولها بصدق: "لم تتخلَّ مصر، ولم يغِب الأزهر. ومن يجحد ذلك، فهو إما جاحدٌ للجميل، أو جاهلٌ بالتاريخ، مختتمًا: "قد تُغيِّب العواصف صوت العقل حينًا، لكن التاريخ لا يصمت، ومصر والأزهر في فلسطين ليسا حكاية دعم، بل سيرة انتماء."

تم نسخ الرابط