الكهرباء.. انقطاعات يومية تكشف عمق الأزمة وفشل إصلاحات البنية التحتية

يدخل قطاع الكهرباء في مصر عام 2025 وسط حالة غير مسبوقة من الضغط، مع تكرار انقطاعات التيار الكهربائي في مختلف أنحاء الجمهورية، وعودة مشاهد الظلام في المناطق السكنية والخدمية، رغم الوعود الحكومية المتكررة بتحقيق الاستقرار، مما يعكس عمق التحديات التمويلية والفنية، وتراكم الإخفاقات على مدار سنوات من التأجيل الهيكلي.
انقطاع الكهرباء.. ظاهرة يومية في مختلف المحافظات
من شمال الدلتا إلى صعيد مصر، بات انقطاع التيار الكهربائي حدثًا يوميًا، يتكرر في توقيتات مختلفة ودون سابق إنذار، وسط شكاوى متصاعدة من المواطنين بشأن تلف الأجهزة وتعطل الخدمات الحيوية. ويعزو المسؤولون هذه الانقطاعات إلى الأحمال الزائدة وارتفاع درجات الحرارة، بينما يرى متخصصون أن السبب الأعمق يكمن في تهالك البنية التحتية، وعجز الشركات عن الصيانة والتجديد بسبب الأزمة التمويلية التي تعاني منها الوزارة.
محطة محولات جزيرة الدهب.. عنوان للأزمة
مثّلت أزمة محطة محولات جزيرة الدهب ذروة الانكشاف الفني في المنظومة. ففي بداية يوليو، تعطلت محطة المحولات الرئيسية التي تغذي مناطق واسعة بالجيزة نتيجة احتراق كابل رئيسي، مما أدى إلى انقطاع التيار لساعات طويلة عن مناطق مأهولة، من بينها الحوامدية وبولاق وكفر الجبل.
رغم تحرك فرق الطوارئ، لم تتمكن الوزارة من إعادة تشغيل المحطة إلا بعد إصلاح الكابل الثاني وتشغيل المحطة عبر كابلين فقط، بينما لا تزال تعمل على مد مصدر تغذية إضافي ثالث عبر خطوط معقدة تمر أسفل مترو الأنفاق والسكة الحديد، وهي أعمال لا يُتوقع الانتهاء منها قبل عدة أسابيع، وفق بيان رسمي صادر عن الوزارة.
وأكد مصدر فني أن ما حدث في جزيرة الدهب يعكس مشكلة أكبر في عمق الشبكة القومية، تتمثل في تأخر خطط الإحلال والتجديد، وتهالك المحطات والمحولات التي لم تُحدّث منذ عقود، مشيرًا إلى أن وقوع حريق في محطة بهذا الحجم يفتح الباب أمام احتمالات تكرار الكارثة في مواقع أخرى.
الفجوة التمويلية تتسع
بحسب مصادر مطلعة، فإن وزارة الكهرباء تواجه عجزًا ماليًا خانقًا نتيجة استمرار تجميد الأسعار رغم تضاعف تكلفة الإنتاج. وبلغت التكلفة الفعلية للكيلووات ساعة نحو 257 قرشًا، في حين تبدأ شرائح الاستهلاك المنزلي من 68 قرشًا فقط، ما يضع عبئًا كبيرًا على الشركات التابعة للوزارة، ويؤدي إلى تجميد أعمال الإحلال والصيانة.
ورغم الإعلان عن زيادات مرتقبة في الأسعار منذ العام الماضي، فإن الحكومة أجّلت القرار مرارًا خوفًا من ردود الفعل الشعبية، ليصبح التأجيل ذاته أحد أسباب تفاقم الأزمة.
إخفاقات متراكمة في قلب المنظومة
في سياق متصل، كشف مصدر بوزارة الكهرباء لـ"نيوز رووم" أن القطاع يعاني من إخفاقات متراكمة لم تعد قابلة للتجاهل، أبرزها:
مديونيات ضخمة غير محصلة من الجهات الحكومية والصناعية.
تعثر مشروع العدادات الذكية رغم مرور أكثر من خمس سنوات على إطلاقه.
تأخر تنفيذ مشروعات الربط الكهربائي الإقليمي، خصوصًا مع أوروبا.
ضعف الخدمة في الريف والصعيد نتيجة تقادم المحولات وتأخر التجديد.
دعم غير قابل للاستمرار
قال المصدر إن استمرار الدعم بصيغته الحالية لم يعد ممكنًا، مطالبًا بتحرير تدريجي لأسعار الكهرباء مع الحفاظ على الفئات غير القادرة، وإيجاد حلول عادلة لهيكلة التمويل بعيدًا عن تحميل المواطن أعباء مفاجئة. وأضاف: "الاستمرار في بيع الكهرباء بأقل من نصف التكلفة يهدد استدامة القطاع ويجمد أي استثمارات جديدة".
عام التوازن الحرج.. بين التعثر والإصلاح
ورغم الصورة القاتمة، تراهن الوزارة على بعض الملفات الواعدة، مثل:
التوسع في مشروعات الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية.
بدء تشغيل وحدات جديدة في مشروع محطة الضبعة النووية.
حملات ترشيد الاستهلاك لتخفيف الضغط على الشبكة. لكن المصدر حذّر من أن هذه الرهانات "قد لا تتحقق ما لم يتم اتخاذ قرارات إصلاحية جادة تعالج جذور الأزمة، وتعيد ضبط الإيقاع المالي والتشغيلي للقطاع".