خالد الجندي: الفتوى علم دقيق تحكمه المقاصد والمصالح الشرعية| فيديو

أكد الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، أن الفتوى ليست مجرد رأي فردي يُقال أو يُتداول، بل هي ثمرة علم دقيق ومركب، توارثته الأمة الإسلامية عبر الأجيال منذ عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وأوضح خالد الجندي، خلال حديثه في برنامج "لعلهم يفقهون" المذاع على قناة "DMC"، أن إصدار الفتوى يمر عبر مسار علمي راسخ، يتطلب فهماً عميقًا لمصادر الشريعة الإسلامية من القرآن الكريم والحديث الشريف، فضلًا عن أصول التفسير، وقواعد اللغة، ومعرفة بالسياق الزمني والاجتماعي لحال المستفتي والمجتمع.
الدستور الحاكم للفتوى
وأشار خالد الجندي إلى أن المفتي لا يجيب على السؤال مباشرة، بل يخضعه أولًا للفحص من خلال خمس قواعد أساسية تُعرف في علم أصول الفقه بـ"المقاصد الشرعية"، وهي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ المال، وحفظ العرض.
وصف خالد الجندي هذه المقاصد بأنها تمثل "الدستور الأخلاقي والتشريعي" الذي لا يجوز تجاوزه أو الإضرار به، مؤكدًا أن أي فتوى تخالف هذه المقاصد تُعد باطلة أو غير منضبطة شرعًا، حتى وإن بدت منطقية في ظاهرها.
مرونة الفتوى حسب الحاجة
وبعد النظر في المقاصد، أوضح خالد الجندي أن المفتي ينتقل إلى تقييم الحالة المعروضة عليه من خلال ما يُعرف في الفقه الإسلامي بـ"المصالح"، والتي تنقسم إلى ثلاث درجات: "المصلحة الضرورية: ما لا تستقيم الحياة بدونه، مثل العلاج أو الأمن، المصلحة الحاجية: ما يسهل الحياة ويزيل المشقة، مثل شراء سكن مناسب، المصلحة التحسينية: ما يتعلق بالكماليات وتحسين المعيشة، مثل الترفيه أو التجميل."
وأكد خالد الجندي أن هذه التصنيفات تساعد المفتي على إصدار حكم يتناسب مع طبيعة السؤال، وظروف السائل، ومدى احتياجه، وهو ما يجعل الفتوى تختلف من شخص لآخر في نفس المسألة.
القرض يختلف حسب غايته
قدّم الشيخ خالد الجندي مثالًا عمليًا لشرح هذا المنهج، مؤكدًا أن "ثلاثة أشخاص قد يسألون عن حكم الحصول على قرض، لكن غاية كل منهم تختلف"، فالأول يحتاجه لعلاج ابنته (مصلحة ضرورية)، والثاني لتحديث سيارته (تحسينية)، والثالث لشراء شقة أوسع (حاجية)، وهو ما يؤدي إلى اختلاف الفتوى باختلاف نية وواقع كل شخص، ولا يجوز تعميم الحكم على الجميع.
المفتي يجري 15 تصورًا
في ختام حديثه، أوضح خالد الجندي أن المفتي المؤهل لا يصدر فتواه بطريقة تلقائية، بل يُجري 15 تصورًا ذهنيًا في كل فتوى، عبر المزج بين المقاصد الشرعية الخمسة وأنواع المصالح الثلاثة، ما ينتج عنه تحليل مركّب ودقيق للحالة المطروحة.
وأشار خالد الجندي إلى أن هذا التقدير يحدث في لحظات سريعة بفضل الخبرة العلمية والتدريب المكثف، تمامًا كما يتخذ الطبيب قرارًا طبيًا معقدًا في جزء من الثانية، استنادًا إلى فهمه العميق لجسم الإنسان وتشخيصه الدقيق للحالة.

الفتوى مسؤولية لا تُمنح لأي شخص
شدد الشيخ خالد الجندي على أن الفتوى ليست مجالًا للاجتهاد الفردي غير المنضبط، ولا تُترك لغير المتخصصين، مشيرًا إلى أن من يفتي دون علم يُفسد أكثر مما يُصلح، داعيًا المسلمين إلى الرجوع إلى العلماء الثقات والمؤسسات الرسمية في شؤون دينهم، حفاظًا على الثوابت، وتجنبًا للفتاوى الشاذة أو المغلوطة.