عاجل

بعد وداع أسرته له.. من هو الموسيقار الراحل زياد الرحباني؟

زياد الرحباني
زياد الرحباني

غيب الموت الفنان والموسيقي اللبناني زياد الرحباني، عن عمر ناهز 69 عامًا، بعد رحلة فنية استثنائية امتدت لعقود، شكّل خلالها حالة فريدة في عالم الموسيقى والمسرح والفكر، تاركًا خلفه إرثًا إبداعيًا لا يشبه إلا نفسه.

الابن البكر لأيقونة الغناء فيروز

ولد زياد الرحباني عام 1956، وهو الابن الأكبر للسيدة فيروز، أسطورة الغناء العربي، ووالده هو الملحن والموسيقار الكبير عاصي الرحباني، أحد قطبي الأخوين رحباني. وُلد زياد في عائلة فنية عريقة كانت تؤمن بأن الفن رسالة، وتربى في بيت يتنفس موسيقى وشعرًا ومسرحًا، فكان من الطبيعي أن يظهر موهبة مبكرة جعلت اسمه يرتبط منذ بداياته بالمشاغبة الفنية والتجريب غير المسبوق.

موسيقار وكاتب ومسرحي

لم يكن زياد مجرد ملحن أو موسيقي تقليدي، بل كان حالة فنية كاملة: مؤلف موسيقي، كاتب مسرحي، شاعر، عازف، ممثل، ومفكر حرّ. امتلك رؤية نقدية للمجتمع والسياسة والثقافة، انعكست في أعماله التي تمردت على السائد وتجاوزت الأطر الكلاسيكية.

تعاون استثنائي مع فيروز

رغم الطابع الجريء والمتمرّد الذي ميّز شخصية زياد الفنية، فقد جمعته تجربة إبداعية مميزة مع والدته فيروز، قدم خلالها مجموعة من أجمل وأشهر الأغنيات التي لا تزال تحظى بجماهيرية واسعة، منها:
• “سألوني الناس”: واحدة من أبرز أيقونات الغناء العربي، تفيض شجنًا وحنينًا، وتحمل توقيع زياد اللحنًا وكلمةً.
• “ع هدير البوسطة”: أغنية تعبّر عن الحب الممزوج بواقع لبنان اليومي، لحنًا وكلماتٍ.
• “كيفك إنت”: من أكثر الأغاني تداولًا، يختلط فيها البساطة بالعمق، واللحن بالحالة الشعورية.
• “أهو ده اللي صار” و“سلملي عليه”: أعمال تكشف عن قدرة زياد على التجريب الموسيقي والتعبير الإنساني العميق، بإطار شرقي حداثي.

زياد المسرحي.. الساخر والناقد

لم يتوقف إبداع زياد عند حدود الموسيقى، بل دخل بقوة إلى عالم المسرح، وترك بصمة فريدة من نوعها. تميزت أعماله المسرحية بالسخرية السوداء، والنقد السياسي والاجتماعي الجريء، مع استخدام ذكي للهجة اللبنانية المحكية، ما جعل أعماله قريبة من الناس على اختلاف خلفياتهم.

من أبرز مسرحياته:

• “فيلم أمريكاني طويل”: عمل يخلط بين السياسة والحياة اليومية، بأسلوب عبثي ساخر.
• “لولا فسحة الأمل”: تناول فيها قضايا الواقع اللبناني بأسلوب فني راقٍ، دون أن يفقد الحس النقدي والساخر الذي ميّزه.

فنان ضد التوقعات

طوال حياته، رفض زياد أن يُصنَّف ضمن تيار أو توجه بعينه. لم يكن يسعى إلى النجومية أو الاستعراض، بل إلى طرح الأسئلة، ومساءلة الواقع، والتعبير عن القلق الإنساني والسياسي بصدق فني.

استفز زياد الرحباني المؤسسات، كما استفز الجمهور أحيانًا، لكنه ظل وفياً لقناعاته، ومدافعًا شرسًا عن الحرية، سواء في الفن أو الفكر.

وداع رجل آمن بأن “الفن موقف”

في لحظة وداعه، لم تفقد الساحة الفنية العربية فنانًا فحسب، بل فقدت رمزًا من رموز التمرّد الجميل والمثقف الحيّ، الذي لم يتوقف عن طرح الأسئلة حتى آخر أيامه.

زياد الرحباني، الذي أحب المسرح كما أحب الموسيقى، وغنّى للحب كما غنّى للثورة، رحل جسدًا، لكنه سيبقى حاضرًا في وجدان كل من يؤمن بأن الفن أداة للتغيير، لا مجرد وسيلة للترفيه.

تم نسخ الرابط