مديريات العمل بالمحافظات.. هل هي مجرد جهة رقابية أم شريك تنموي فعّال؟

في مشهد لم يعد يقتصر على المكاتب والقرارات الإدارية، بدأت مديريات العمل في مختلف المحافظات المصرية تفرض وجودًا ميدانيًا وفعّالًا، لا سيما خلال الفترة الأخيرة، في ظل توجه وزارة العمل لتوسيع أدوارها من مجرد جهة رقابية إلى ذراع تنموية مؤثرة على أرض الواقع ، لكن يبقى السؤال المطروح: هل تحولت مديريات العمل فعلًا إلى شريك تنموي حقيقي؟ أم ما زالت تكتفي بالدور التقليدية
رقابة تقليدية أم خدمات متعددة الأبعاد؟
لطالما ارتبطت مديريات العمل في أذهان كثيرين بوظائفها الكلاسيكية: الرقابة على المنشآت، تحرير محاضر التفتيش، والبت في الشكاوى لكن التحولات التي شهدها الملف العمالي، خصوصًا في ظل تطبيق قانون العمل الجديد رقم 14 لسنة 2025، فرضت واقعًا جديدًا توسعت فيه أدوار المديريات لتشمل التدريب المهني، تمكين ذوي الهمم، دعم العمالة غير المنتظمة، وتعزيز الحوار المجتمعي داخل مواقع العمل.
نشاط ميداني واسع.. من النقابات إلى الجامعات
في جنوب سيناء، عقدت المديرية اجتماعًا موسعًا مع رؤساء اللجان النقابية، لشرح آليات تحديث بيانات التنظيمات العمالية، بما يدعم دورها في تمثيل العاملين ويعزز استقرار مواقع الإنتاج.
وفي الشرقية، امتد نشاط المديرية إلى داخل جامعة الزقازيق، حيث أطلقت سلسلة من الندوات لتوعية العاملين بالسلامة والصحة المهنية ضمن مبادرة "سلامتك تهمنا"، وهي خطوة غير تقليدية تكشف عن توجه لتوسيع الفئات المستهدفة خارج المنشآت الصناعية.
من التوظيف إلى الدمج المجتمعي
ربما أبرز تحول شهدته مديريات العمل هو تركيزها على دمج ذوي الهمم في سوق العمل. ففي الإسكندرية، تم تنظيم مقابلات توظيف بالتعاون مع إحدى شركات الأغذية الكبرى لتعيين عدد من الشباب من ذوي القدرات الخاصة، مع متابعة فعلية لضمان التزام الشركات بالشروط القانونية، خاصة ما يتعلق بالحد الأدنى للأجور ونسبة الـ5%.
أما في شرم الشيخ، فقد خصصت مديرية جنوب سيناء لقاءً مباشرًا مع العاملين من ذوي الهمم في أحد الفنادق السياحية للاستماع إلى احتياجاتهم وتذليل العقبات، وهو ما يعكس تحولًا حقيقيًا من الرقابة إلى الدعم التفاعلي والتمكين.
التدريب المهني.. ركيزة تنموية صاعدة
في القليوبية، أطلقت مديرية العمل برنامجًا تدريبيًا للفتيات في "التفصيل والحياكة" بمركز الخانكة، ضمن خطة طموحة لتأهيل الشباب لسوق العمل المحلي والخارجي. وبحسب مسؤولي المديرية، فإن جميع الدورات مجانية وتستهدف تمكين المتدربين من تأسيس مشروعات صغيرة أو الالتحاق بوظائف فنية مناسبة، ما يضع المديريات في موقع الشريك الحقيقي في عملية التنمية الاقتصادية.
مديريات العمل "بدأت تتحرر من القوالب الجامدة، وتسعى ببطء ولكن بثبات نحو أداء أدوار مجتمعية وتنموية، خصوصًا في مجالات مثل التدريب والتوظيف والتمكين الاجتماعي، لكن ما زالت بحاجة لتوسيع صلاحياتها، وتوفير الموارد البشرية والمالية الكافية لتتحول إلى وحدات متكاملة للتنمية المحلية".
أما إيمان السعدني، باحثة في شؤون السياسات العمالية، فتقول إن "التحول في أداء المديريات بات واضحًا، لكنه يواجه تحديات مثل ضعف التنسيق أحيانًا مع مؤسسات المجتمع المدني، أو محدودية الوصول الإعلامي إلى أنشطتها مما يجعلها تعمل في صمت".
المديريات لم تعد مجرد جهة تفتيشية، بل تتجه بخطى ملموسة لتكون شريكًا في صناعة فرص العمل، وصياغة الوعي العمالي، وتعزيز الأمان المهني. ومع ذلك، تبقى الحاجة قائمة إلى دعم هذه الهياكل بالكفاءات، والتمويل، والصلاحيات؛ كي تكتمل ملامح تحولها إلى لاعب رئيسي في التنمية الشاملة.