عاجل

في ذكرى وفاته.. محمد خان المؤرخ البصري للشارع المصري وصانع البطولات الصامتة

محمد خان
محمد خان

تحلّ اليوم، 26 يوليو، ذكرى وفاة المخرج الكبير محمد خان (1942–2016)، أحد رواد الواقعية الجديدة في السينما المصرية، وأحد أهم المبدعين الذين غيّروا شكل السرد السينمائي العربي خلال العقود الأخيرة. لم يكن خان مجرد مخرج أفلام، بل كان صاحب رؤية فنية وإنسانية خاصة، يُمسك بالكاميرا ليقترب من الإنسان لا ليحكم عليه، بل ليراه بصدق.

الواقعية كمنهج حياة

لم يتعامل محمد خان مع الواقعية كتيار سينمائي أو موضة فنية، بل كموقف شخصي من العالم. في أفلامه، اختار أن يغوص في تفاصيل الحياة اليومية، بعيدًا عن الزخرفة والتصنع. لم يكن مشغولًا بإبهار المشاهد بالديكورات البراقة أو الحوارات المحسوبة، بل بالحقيقة: موظف بسيط يركض خلف موعد عشاء، فتاة تقاوم مجتمعًا يرفضها، أم تحلم بالأمان. في فيلم أحلام هند وكاميليا، على سبيل المثال، تظهر هذه النزعة بوضوح: أبطال عاديون، في حياة تبدو للوهلة الأولى بسيطة، لكنها مليئة بالتفاصيل التي تُكثّف المأساة.

بطل الشارع… لا بطل الشاشة

في زمنٍ كانت فيه البطولة محصورة في الشخصيات الخارقة أو الوجوه المثالية، منح محمد خان البطولة لوجوه نراها كل يوم ولا نلتفت لها. رجل مُنهك من العمل، امرأة تُقاوم من أجل حياة أهدأ، شاب يحلم بمستقبل لا يبدو ممكنًا. خان لم يفرض على شخوصه الانتصار، بل أظهر قوتهم في صمودهم اليومي ضد الفقر، والخذلان، والظلم. بطولات خان صامتة، لكنها مؤثرة، تُظهر معنى الكفاح من أجل الكرامة، لا المجد.

المرأة في سينما خان

بطلات محمد خان لم يكنّ نساءً مثاليات، ولم يكنّ نساءً على الهامش. كنَّ في قلب الحكاية. من فتاة المصنع إلى موعد على العشاء، مرورا بـ خرج ولم يعد وزوجة رجل مهم، كانت المرأة عند خان مخلوقًا حيًا، حقيقيًا، معقدًا، وليس مجرد رمز أو ديكور. كان يراها كإنسان له صوت وألم ورغبة، يبحث عن الحب أو الحرية أو الأمان. كثيرًا ما كانت بطلاته في صراع مباشر مع المجتمع، ومع الأفكار المسبقة التي تُقيّدهن.

الكاميرا التي ترى بلا حكم

أسلوب محمد خان الإخراجي لا يقوم على الصدمة، ولا على الميلودراما، بل على الرصد. تتحرك كاميرته برفق، تُشبه عينًا تراقب دون أن تتدخل. كان يُفضّل التصوير في أماكن حقيقية، مع وجوه لم تفسدها الشهرة. لم يكتب أفلامًا عن مصر فقط، بل كتب السيرة اليومية للمصريين، بعيون تحبّهم وتفهمهم وتخشى عليهم. لهذا، يشعر المشاهد أمام أفلامه أنه لا يرى عملًا فنيًا فحسب، بل يرى حياته، أو حياة جاره، أو ماضيه.

بعد مرور تسع سنوات على رحيله، لا تزال أفلام محمد خان تُعرض وتُدرّس وتُناقش، لأنها لم تكن مجرد أفلام ترفيه، بل كانت مشروعات وعي. لم يركض خلف الجوائز، ولا خضع لمعادلات السوق، بل صنع سينما تشبهه: نقية، صادقة، مليئة بالشغف تجاه الإنسان العادي.

في النهاية، محمد خان لم يكن صانع أفلام فحسب، بل كان مؤرخًا بصريًا صادقًا، التقط بهدوء مشاهد الحياة كما هي، دون تزييف. ترك وراءه أرشيفًا سينمائيًا فريدًا، يروي سيرة مصر من قلب شوارعها، لا من على منصات بعيدة. سينماه لا تزال حية، لأنها ببساطة كانت عن الحياة، رحل محمد خان في مثل هذا اليوم من عام 2016، لكن أفلامه ما زالت بيننا، تهمس لنا: الإنسان هو البطل الحقيقي، حتى وإن لم يُصفّق له أحد

تم نسخ الرابط