نهب زاوية الدسوقي.. وثائق تفضح تورط الإخوان في سرقة التراث الصوفي المصري

في إحدى ليالي نوفمبر من عام 1973، وبين جدران "زاوية الدسوقي" التي تحتضن الإرث الصوفي للطريقة البرهامية بمدينة دسوق، وقعت واحدة من أخطر وقائع سرقة التراث الصوفي في تاريخ مصر الحديث.
لم تكن مجرد عملية اقتحام عشوائي، بل جريمة ممنهجة ومدروسة استهدفت عمامة الشيخ إبراهيم الدسوقي الأصلية، ومسبحة أثرية نادرة، وعددًا من المخطوطات الصوفية التي لا تقدَّر بثمن.
بعد أكثر من أربعة عقود من التعتيم والغموض، يكشف الباحث الصوفي مصطفى زايد، تفاصيل الجريمة عبر وثائق رسمية رفعت عنها السرية، ومحاضر أمنية، وشهادات شهود عيان، تؤكد جميعها أن عناصر تابعة لجماعة الإخوان المسلمين كانوا وراء تلك الواقعة، في محاولة لضرب أحد أبرز رموز التصوف المصري.
وقال "زايد" :بحسب محضر الشرطة رقم (567/1973) المحفوظ في أرشيف محافظة كفر الشيخ، أبلغ الحاج محمد السيد، حارس الزاوية الرسمي، عن الحادث في تمام الساعة الثانية والنصف فجرًا يوم 5 نوفمبر 1973.
أفاد البلاغ بأن الباب الخلفي للزاوية قد كُسر، وأن عدة مقتنيات داخل غرفة الضريح قد اختفت بشكل غامض.
محضر المعاينة الصادر عن النيابة العامة (ملف رقم 1234/1973) أوضح أن القطع المفقودة شملت:
عمامة الشيخ إبراهيم الدسوقي الأصلية، المصنوعة من الحرير الأخضر الموشى بخيوط فضية (موثقة في سجل المقتنيات، ص. 17).
مسبحة مملوكية نادرة تتكون من 33 حبّة من العقيق الأحمر الدموي، ويُعتقد أنها كانت ضمن مقتنيات أحد خلفاء الطريقة البرهامية في القرن الثامن الهجري (سجل الآثار 1972، ص. 113).
خمسة مخطوطات صوفية مكتوبة بخط اليد، تعود إلى القرن العاشر الهجري، تتناول أوراد الطريقة وسلاسل النسب الصوفي.
وقال مصطفى زايد إن الملف السري رقم (789/1973)، والذي رُفع عنه السرية عام 2011، كشف أن الزاوية كانت محل مراقبة من قبل عناصر تنتمي لتنظيم الإخوان المسلمين، وتحديدًا فرع كفر الشيخ، قبل أسبوعين من وقوع الجريمة.
شهادات العيان
في شهادة حارس الزاوية، الحاج محمد السيد، الواردة في محضر الشرطة (ص. 3)، قال: "رأيت أربعة أشخاص يتسلّلون من النافذة الخلفية، أحدهم كان يحمل حقيبة سوداء كبيرة، ووجهه مغطى بقطعة قماش".
كما أدلى عم فتحي عبد المنعم، أحد سكان المنطقة المجاورة، بشهادته ضمن التحقيقات (ص. 5)، قائلًا:"سمعت أصوات تكسير وهمسات بلكنة صعيدية... بدا وكأنهم يتحدثون بهمس منسق ومدرب".
■ثالثًا: مصير الكنوز.. من دسوق إلى جنيف وإسطنبول
تقرير الإنتربول الدولي
تقرير الإنتربول رقم (REF-5678) بتاريخ 17 أغسطس 1998، المحفوظ في السجلات المصرية، أكد ظهور عمامة الشيخ الدسوقي في مزاد مغلق بجنيف عام 1997، لكن المزاد تم وقفه بعد تدخل رسمي من الحكومة المصرية.
وفي ذات التقرير، أُشير إلى ظهور المسبحة الأثرية في أحد أسواق التحف بمدينة إسطنبول، حيث رُصدت لدى تاجر فلسطيني، إلا أن السلطات التركية لم تصادرها لعدم توفر إثبات ملكية رسمي في ذلك الوقت.
رابعًا: إجراءات حكومية متأخرة
رغم فداحة الجريمة، لم تتحرك الجهات المعنية بسرعة كافية. فقد صدر قرار وزارة الأوقاف رقم (456/1974) بعد عدة أشهر من الحادث، ونص على:
نقل جميع المخطوطات المتبقية داخل الزاوية إلى دار المحفوظات العامة بالقاهرة.
فرض نظام حراسة ليلية مشدد على الزاوية بالتنسيق مع مديرية أمن كفر الشيخ.
كما أصدرت اللجنة الأثرية العليا مذكرة في عام 1975 (محفوظة في أرشيف المجلس الأعلى للآثار – ملف تسجيل الزاوية)، أوصت بتسجيل المقتنيات المتبقية ضمن الآثار الإسلامية، وتصنيفها ضمن "التراث غير القابل للنقل"، مع إعداد نسخ ميكروفيلمية لحمايتها من الضياع أو التلف.