عاجل

هل يجوز أداء صلاة الجمعة خلف التليفزيون؟ الإفتاء توضح

صلاة الجمعة
صلاة الجمعة

أوضحت دار الإفتاء المصرية أن صلاة الجمعة خلف البث المباشر – سواء عبر المذياع أو التلفاز أو الوسائل الرقمية – لا تُجزئ شرعًا، ولا تتحقق بها مقاصد الاجتماع التي شُرعت من أجلها صلاة الجمعة، باتفاق أهل العلم فمن شروط صحة الجمعة أن يتحقق الاجتماع الحقيقي في مكان واحد بحسب العرف، وهو ما لا يتحقق في متابعة البث عن بُعد.


كما أن الفقهاء متفقون على أن من شروط الاقتداء في الجمعة:


اتصال الصفوف إما حقيقة أو حكمًا، واتحاد المكان حقيقة أو عرفًا، مع تمكُّن المأموم من متابعة الإمام في حركاته وسكناته سماعًا أو رؤية.
بل إنهم اشترطوا حضور المأموم للخطبة في نفس الموضع حتى لو لم يتمكن من سماعها، ما يدل على أن العبرة بالحضور لا بمجرد السماع.
وفي حالة الصلاة خارج المسجد، فقد اشترطوا أيضًا اتصال الصفوف، ولو مع رؤية الإمام.

أما من يُصلي في بيته مستندًا إلى بثٍّ مباشر، فلا يُعدّ من جملة الحاضرين للجمعة، لا شرعًا ولا عرفًا ولا لغة؛
فهو منفصل تمامًا عن جماعة المصلين، ولا يربطه بهم أي اتصال معتبر في الفقه، لا بالصفوف ولا بالمكان،
ومن ثم فإن صلاته لا تُعد صحيحة جمعةً، وعليه أن يُصليها ظهرًا

مقاصد صلاة الجماعة وأساس اجتماع المصلين في الجمعة

الأساس في صلاة الجماعة أن تتحقق صورة الاجتماع الحقيقي بين الإمام والمأمومين؛ وذلك بأن يكونوا جميعًا في مكان واحد، مع تواصل الصفوف، وتمكّن المأموم من متابعة الإمام في ركوعه وسجوده وسائر أفعاله، حتى يظهر بذلك المقصد الشرعي من هذه العبادة التي أرادت الشريعة من ورائها تقوية الروابط بين المسلمين وتماسك صفوفهم.

وصلاة “الجمعة” مأخوذة في أصل معناها من “الاجتماع”، كما أشار إليه الإمام السُّغدي الحنفي، ومن هنا اتفق العلماء على ضرورة تحقق هذا الاجتماع كشرط لصحة صلاة الجمعة، لأن من مقاصد الاقتداء بالإمام أن يجتمع عدد من المصلين في موضعٍ واحدٍ عرفًا، كما هو المعهود والمتوارث بين المسلمين في مختلف الأزمان والأماكن.

وقد بين الإمام الكاساني أن تسمية الصلاة بالجمعة يقتضي تحقق معنى “الجمْع”، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ الجمعة منفردًا قط، بل كان دائمًا في جماعة، وهو ما انعقد عليه الإجماع. وكذلك أكد الإمام القرافي أن الاتصال المكاني ضروري لصحة صلاة الجماعة، فلو صلّى الإمام في المسجد وصلى الناس في بيوتهم من غير اتصال صفوف أو موضع، لفُقِد معنى الاجتماع، وبطلت الجماعة. ونقل الإمام الجويني أن الغرض من شرعية الجمعة هو جمع الناس وإقامة شعار الجماعة.

كما شدد العلماء في مختلف المذاهب على ضرورة أن يكون الإمام والمأمومون في مكان يُعدُّ عرفًا واحدًا، وأن يكون هناك اتصال بين الصفوف، وأن يتمكن المأموم من متابعة الإمام بصريًا أو سمعيًا، لأن في ذلك تحقيقًا لمعنى الجماعة. أما الاكتفاء بمجرد معرفة انتقالات الإمام -كما قال بعض المتقدمين- دون اجتماع حسي، فهو مخالف لمقاصد الشريعة في الاجتماع على العبادة، ويؤدي إلى تعطيل السعي إلى المساجد، وهو أمر منهي عنه.

ضوابط تحقق الاجتماع في صلاة الجمعة

يتحقق شرط الاجتماع المطلوب لصحة صلاة الجمعة من خلال ثلاثة أمور:
1. اتصال الصفوف، سواء كان الاتصال حقيقيًّا أو حكميًّا، بحسب ما يقتضيه الحال.
2. اتحاد المكان بين الإمام والمأمومين، على وجه حقيقي أو عرفي.
3. إمكان متابعة الإمام في صلاته، إما عن طريق الرؤية أو السماع.

وقد اختلف الفقهاء في بعض الصور التي يتعذر فيها تحقيق هذه الشروط على وجهها التام؛ مثل وجود طريق أو نهر أو جدار يفصل بين الإمام والمأمومين، أو إن كان بعضهم في سطح أو منزل ملاصق، أو إن أُغلقت أبواب المسجد، أو غيرها من الصور، والاختلاف بينهم ليس في أصل اشتراط الاجتماع، وإنما في تحديد ما يتحقق به هذا الاجتماع.

فمثلًا، نص الإمام الجصاص على أن وجود طريق يفصل بين الإمام والمأمومين بدون اتصال في الصفوف يفسد الجماعة، بينما اعتبر الإمام السرخسي أن وجود الصفوف المتصلة يجعل المكان الملاصق للمسجد بحكم المسجد. وأشار الكاساني إلى أن اختلاف المكان يُسقط التبعية في الصلاة، لأن من شروط الاقتداء التبعية المكانية، التي تُمكّن المأموم من المتابعة.

أما في المذهب المالكي، فقد أجاز عليش فصل الإمام عن المأموم بنهر صغير إذا لم يمنع من رؤية الإمام أو سماع صوته. وفي الشافعية، اعتبر الجويني أن المسافة لا تضر ما دام المسجد واحدًا والمأموم قادرًا على رؤية الإمام أو سماعه، وكذلك اعتبر النووي أن الفاصل كالشارع لا يمنع صحة الاقتداء إن أمكن العبور عليه بدون مشقة كبرى. وفي الحنابلة، نص ابن قدامة والبهوتي وابن رجب على صحة الاقتداء في حال سماع التكبير وإن لم تتحقق الرؤية، بشرط إمكان المتابعة.

اشتراط الحضور المكاني لسماع الخطبة وصحة الجماعة

أجمع الفقهاء على أن حضور الخطبة في نفس المكان شرط لصحة صلاة الجمعة، حتى لو لم تُسمَع الخطبة من الحضور؛ فيكفي وجودهم المكاني. وقد نص الكاساني وابن عابدين على أن الحضور شرط لصحة الخطبة وليس مجرد السماع. كما اشترطوا أن يكون المأموم خارج المسجد متصلًا بالصفوف إن أراد الاقتداء، لأن المساجد معدة للاجتماع بخلاف الأماكن الخارجية.

لا تصح الجمعة عبر المذياع أو التلفاز

استنادًا إلى ما سبق من القواعد والضوابط الفقهية، يتضح أن صلاة الجمعة لا تصح عبر وسائل البث مثل المذياع أو التلفاز، لأنها لا تحقق المعنى الشرعي للاجتماع المكاني، ولا يتحقق بها اتصال الصفوف أو التبعية الحسية في المكان. وهذا ما أكدته دار الإفتاء المصرية في فتاواها المتعددة عبر السنين، مشيرة إلى أن شرط المكان والاتصال لا يسقطان بمجرد سماع الإمام عبر جهاز إلكتروني

تم نسخ الرابط