ما حكم أداء صلاة الظهر بعد فريضة الجمعة ؟ الإفتاء توضح

رغم أن يوم الجمعة يحمل في طياته خصوصية وفضيلة لا تشبه سائر الأيام، فإن كثيرًا من المسلمين يحرصون بعد أداء فريضة الجمعة على صلاة أربع ركعات ظهرًا،وفي هذا السياق أجابت دار الإفتاء المصرية أن مسألة صلاة الظهر بعد الجمعة من المسائل الخلافية بين الفقهاء،
والذي نميل إليه للفتوى هو أنه إذا كانت المساجد في البلدة متعددة لضرورة أو لعدم سعة مسجد واحد لأهل البلدة – كما هو الحال في زماننا – فإن صلاة الجمعة صحيحة في جميع تلك المساجد.
وفي هذه الحالة، يجوز للمسلم أن يصلي الظهر بعد أداء الجمعة إن أراد، ولا حرج عليه،
لكن الأفضل أن يؤدي هذه الصلاة في بيته، حتى لا يظن الناس أنها فرض لازم بعد الجمعة
الحكمة من مشروعية صلاة الجمعة
شُرعت صلاة الجمعة لتحقيق مقاصد عظيمة في حياة المسلمين، أهمها اجتماعهم على طاعة الله في وقت واحد ومكان واحد، وهم في حالة من الخشوع والتذلل لله تعالى، متجردين من كل مظاهر الكبرياء والتفاخر، فيشعر الجميع أنهم عبيد لله وحده، لا فرق بين غني وفقير، ولا كبير وصغير.
هذا الاجتماع الإيماني يترك أثرًا عميقًا في النفوس؛ يزيل الفوارق، ويحقق المساواة، ويقوي الروابط الاجتماعية بين المسلمين، فتنتشر بينهم المحبة والرحمة، وتضعف دوافع الحسد والبغضاء والأنانية. وهذه المعاني ليست قاصرة على صلاة الجمعة وحدها، بل تتكرر في كل العبادات الجماعية في الإسلام كصلاة الجماعة والحج والعيد.
ولتحقيق هذه الأهداف، اهتمت الشريعة الإسلامية بوحدة الجماعة، وفضّلت الاجتماع في مكان واحد إن أمكن. ولهذا السبب اختلفت المذاهب الأربعة في حكم تعدد المساجد التي تُقام فيها صلاة الجمعة في البلدة الواحدة دون ضرورة، وبيّن كل مذهب موقفه من صحة الصلاة في هذه الحالة.
مذهب الحنفية
يرى الحنفية أن تعدد أماكن إقامة الجمعة لا يؤثر على صحتها، حتى لو صُلّيت في وقت واحد، بشرط ألا يتيقن المصلّي أن غيره سبقه بتكبيرة الإحرام. فإن حصل له اليقين بأن هناك من سبقه في مسجد آخر، وجب عليه أن يصلي ظهرًا أربع ركعات بنية “آخر ظهر” بعد سنة الجمعة، ويفضل أن يصليها في بيته حتى لا يعتقد الناس أنها فرض.
أما إذا لم يتيقن بل شك في حصول التقديم من غيره، فحينها يُندب له أن يصلي “آخر ظهر” كما سبق.
المرجع: الدر المختار وحاشية ابن عابدين، باب الجمعة.
مذهب الشافعية
فرّق الشافعية بين حالتين:
1. إن كان تعدد المساجد لحاجة أو ضرورة (مثل ضيق المسجد عن استيعاب الناس): فتصح الجمعة في جميعها، ويُندب بعد الصلاة أن يُصلّى الظهر.
2. أما إن كان التعدد دون حاجة: فتصح الجمعة لمن سبق بالصلاة شريطة تيقّن السبق بتكبيرة الإحرام.
وإذا صُلّيت في جميع المساجد في الوقت نفسه أو وقع شك فيمن سبق، بطلت الصلاة في الجميع، ويجب إعادتها جمعة إن أمكن، وإلا فظهرًا.
المرجع: حاشية البيجرمي على شرح المنهاج.
⸻
● مذهب المالكية
يرى المالكية أن الجمعة لا تصح إلا في المسجد العتيق، أي المسجد الذي أُقيمت فيه الجمعة أولًا، ولو بني غيره بعده.
لكن تُستثنى بعض الحالات ويجوز فيها إقامة الجمعة في مسجد آخر:
• إذا هُجر المسجد العتيق.
• إذا ضاق عن استيعاب المصلين.
• إذا حكم الحاكم بجواز الصلاة في الجديد.
• إذا وُجدت عداوة بين طائفتين وخُشي من اجتماعهم في مسجد واحد.
كما نقل بعض فقهائهم المتأخرين أنه جرى العمل بجواز تعدد الجمعة في المدن الكبيرة.
المرجع: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير.
مذهب الحنابلة
قسّم الحنابلة المسألة إلى حالتين:
1. عند الحاجة (كضيق المساجد): تصح الجمعة في جميع المساجد، سواء أُقيمت بإذن ولي الأمر أم لا، ويُستحب بعد ذلك صلاة الظهر احتياطًا.
2. أما إذا لم تكن هناك حاجة: فلا تصح الجمعة إلا في المسجد الذي أذن فيه ولي الأمر، ولا تُعتبر صحيحة في غيره حتى لو سبقت.
وإذا وقعت الصلاة في عدة مساجد بوقت واحد، بطلت الصلاة في الجميع، ويجب إعادتها إن أمكن.
المرجع: تصحيح الفروع للمقدسي، والإقناع في فقه الحنابلة