عاجل

في الذكرى الثالثة والسبعين لثورة 23 يوليو 1952، لا تزال هذه الثورة العظيمة تحتفظ ببريقها التاريخي وروحها الوطنية التي تجاوزت الزمن والأجيال، لتظل واحدة من أهم المحطات الفاصلة في التاريخ المصري الحديث، بل والعربي والأفريقي على السواء، وجاءت هذه الثورة لتعبر عن تطلعات شعب كان يتوق للحرية والكرامة والاستقلال الوطني، فكان الجيش المصري ــ المنتمي إلى الشعب ــ هو من لبى النداء، فأسقط حكما ملكيا ارتبط بالاستعمار والفساد، وأسس لجمهورية جديدة تحمل آمال الجماهير البسيطة.

في كلمته التي ألقاها بهذه المناسبة، أعاد الرئيس عبد الفتاح السيسي التذكير بجوهر الثورة وغاياتها الكبرى، مؤكدًا على أن "ثورة 23يوليو" لم تكن مجرد حركة سياسية أو تغييرا في بنية الحكم، بل كانت تعبيرا صادقا عن إرادة أمة أرادت أن تسترد سيادتها، وتبني مستقبلها بيدها، وأن تحقق العدالة الاجتماعية والنهضة الاقتصادية، وأن تخرج من عباءة الهيمنة الأجنبية إلى فضاء الاستقلال الوطني التام.

إن قراءة الرئيس السيسي الدقيقة لمعاني ثورة 23 يوليو تأتي في سياق رؤيته العميقة لمفهوم الدولة الوطنية، التي لا تتشكل من لحظة تاريخية فقط، بل تبنى على تضحيات أجيال متعاقبة وقد كان لافتا تأكيد الرئيس على أن الدولة المصرية استطاعت ــ رغم التحديات الجسيمة والمتغيرات الإقليمية والدولية العاصفة ــ أن تحافظ على كيانها، وتحمي مؤسساتها، وتتصدى بقوة للإرهاب وحروب الجيل الرابع، وتنجز مشروعات تنموية غير مسبوقة.

لقد أدرك الرئيس، ومنذ توليه المسؤولية، أن إعادة بناء الدولة المصرية لا يمكن أن تنفصل عن الروح التي فجرت ثورة 23 يوليو، ولا عن القيم التي قامت عليها، وعلى رأسها: الاستقلال الوطني، العدالة الاجتماعية، والتكافؤ في الفرص، ودور الدولة التنموي ومن هنا، فإن ما نشهده اليوم من مشروعات قومية كبرى، وتوسيع قاعدة العدالة الاجتماعية من خلال مبادرات مثل "حياة كريمة"، واستعادة دور الدولة في التعليم والصحة والإسكان، هو امتداد طبيعي لمسار بدأ في يوليو 52، لكنه يكتسب اليوم بعدا جديدا في ضوء التحديات المعاصرة.

إن خطاب الرئيس في ذكرى 23 يوليو لم يكن فقط رسالة وفاء لجيل القادة العظام الذين خاضوا غمار الثورة، وفي مقدمتهم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، بل كان أيضا دعوة للمصريين للوعي بالتحديات الراهنة، ومواصلة العمل من أجل تثبيت دعائم الدولة العصرية الحديثة، القائمة على الإنتاج والمعرفة والعدالة، لا على الشعارات والوعود الفارغة.

في هذه الكلمة، لمسنا بوضوح الإيمان العميق لدى القيادة السياسية بأن التحدي الأكبر اليوم ليس فقط في استعادة أمجاد الماضي، بل في القدرة على بناء المستقبل، وسط بيئة دولية معقدة وصراعات ممتدة و توازنات متغيرة ورغم كل ذلك، فإن مصر ــ كما أكد الرئيس ــ تملك الإرادة السياسية، والرؤية المتكاملة، وقبل كل شيء، الشعب الواعي، الذي أثبت في كل لحظة مفصلية أنه حارس وطنه الحقيقي، والمدافع الأول عن استقراره ووحدته.

لقد ضربت ثورة 23 يوليو المثل في أن الجيوش الوطنية يمكن أن تكون رافعة للتحرر والبناء، وأن تظل منتمية إلى شعوبها، مدركة لدورها التاريخي واليوم، تواصل القوات المسلحة المصرية هذا الدور العظيم، ليس فقط في الدفاع عن حدود الوطن، ولكن أيضا في الإسهام الفعال في معركة التنمية الشاملة، من خلال ما تنفذه من مشروعات استراتيجية، وما تؤديه من مهام في أوقات الأزمات والطوارئ.

وبالمثل، فإن إشادة الرئيس في خطابه بدور المواطن المصري، و بقدرته على التحمل والصبر والعمل، كانت رسالة شكر وتقدير لكل فرد من أبناء هذا الشعب، الذي يقف في الصفوف الأمامية لمعارك التنمية، تماما كما وقف بالأمس في ساحات القتال، يذود عن تراب الوطن وكرامته.

لقد أثبتت تجربة مصر في السنوات الأخيرة، أن التحدي الحقيقي يكمن في بناء دولة قوية وقادرة، ذات مؤسسات محترفة، واقتصاد منتج، وعدالة اجتماعية شاملة وكل هذه الملامح، هي في جوهرها استدعاء حقيقي لمشروع يوليو الوطني، لكنه استدعاء في سياق جديد، يراعي تغيرات الواقع، ويعتمد على أدوات أكثر تقدما، ويستهدف مستقبلا أكثر استدامة.

في الذكرى الـ73 لثورة 23 يوليو، يحق للمصريين أن يفخروا بما أنجزه جيل الثورة، كما يحق لهم أن يطمئنوا إلى ما تخطوه دولتهم الحديثة من خطوات واثقة نحو المستقبل فالتاريخ لا يتوقف عند لحظة، لكنه يستمر من خلال العمل والتخطيط والإرادة وهنا، يأتي دور النخبة الوطنية، والأحزاب، ومؤسسات المجتمع المدني، في دعم المشروع الوطني، وتوعية المواطن، والمشاركة الجادة في تحقيق الأهداف الكبرى التي طالما حلم بها المصريون منذ لحظة الثورة وحتى اليوم.

لقد نجح الرئيس السيسي في تحويل ذكرى 23 يوليو من مناسبة للاحتفال إلى منصة لبناء الوعي، وتعزيز الانتماء، واستنهاض الهمم وهذا هو المعنى الأعمق الذي يجب أن نتوقف أمامه، ونحن نستلهم من ماضينا إشارات الحاضر، و نرسم ملامح الغد.

 

تم نسخ الرابط