جمال عبد الجواد: مصر تجاوزت "الربيع العربي" دون تفكك والتحولات تُدار من الخارج

أكد الدكتور جمال عبد الجواد، المستشار بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أن التحولات الجذرية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط خلال العقد الأخير لم تكن نابعة من إرادة داخلية عربية حقيقية، بل جاءت في مجملها نتيجة تدخلات خارجية وأيديولوجيات عابرة للحدود، تسعى لتشكيل الواقع السياسي الإقليمي وفقًا لمصالحها.
التجربة في مواجهة العواصف
أشاد جمال عبد الجواد خلال حواره مع الإعلامي نشأت الديهي، في برنامج "المشهد" المذاع على قناة "TeN"، بقدرة الدولة المصرية على تجاوز صدمة ما يُسمى بـ"الربيع العربي"، مؤكدًا أن مصر تمكّنت من عبور تلك المرحلة الحرجة دون الانزلاق إلى سيناريوهات الحرب الأهلية أو التفكك المؤسسي كما حدث في دول أخرى بالمنطقة.
وأضاف جمال عبد الجواد: "مصر خلقت حالة ديناميكية فيها قدر من التمثيل السياسي والتقدم التنموي الملموس، وهو ما يعد إنجازًا كبيرًا وسط حالة الانهيار التي اجتاحت الإقليم".
واعتبر جمال عبد الجواد أن ما جرى في مصر يمكن أن يشكل نموذجًا قابلًا للاستنساخ في دول عربية أخرى، بشرط توافر الإرادة السياسية والوعي الشعبي بأهمية الدولة الوطنية.
التحولات تصنع خارج الحدود
في تقييمه للواقع العربي الراهن، قال جمال عبد الجواد إن الفاعلين الأساسيين في تشكيل المستقبل الإقليمي ليسوا من داخل المنطقة، مشيرًا إلى أن القوى الدولية والإقليمية ما زالت تتحكم في مفاصل المشهد العربي، فيما لا تزال كثير من الدول "رهينة لسياقات مفروضة من الخارج".
وأوضح جمال عبد الجواد أن صناعة القرار العربي يعاني من تبعية فكرية واستراتيجية، وأن اللحظة الراهنة تتطلب من النخب والمجتمعات إعادة التفكير في كيفية استعادة زمام المبادرة بدلاً من البقاء في حالة رد فعل دائم تجاه أحداث تُفرض عليهم.
نهاية الإسلام السياسي
سلّط جمال عبد الجواد الضوء على أهمية ثورة 30 يونيو 2013، والتي وصفها بأنها لحظة مفصلية في التاريخ السياسي الحديث لمصر، حيث مثّلت نقطة إنهاء فعلية لوجود تيار الإسلام السياسي في المعادلة الوطنية، بعد أن انكشف مشروعه أمام الجماهير، وفقد الغطاء الشعبي الذي كان يعوّل عليه.
وأشار جمال عبد الجواد إلى أن تعامل بعض النخب في السابق مع تيار الإسلام السياسي باعتباره "معارضة مشروعة" كان خطأً فادحًا، مؤكدًا أن هذا التيار كان يحمل أجندة موازية تقوّض الدولة الوطنية، وتستبدلها بمشروع أيديولوجي عابر للحدود لا يعترف بالهوية الوطنية أو التعددية السياسية.
خصوم خارج إطار الدولة
وأكد جمال عبد الجواد أن الجماعات التي تمثل تيار الإسلام السياسي تحوّلت بعد 30 يونيو إلى "خصوم خارجيين"، يعملون من خارج حدود الدولة ويستهدفون تقويضها إعلاميًا وسياسيًا واقتصاديًا.
وقال جمال عبد الجواد إن التعامل مع هذه الجماعات يجب أن يكون أمنيًا وفكريًا وسياسيًا في آنٍ واحد، مع ضرورة أن يدرك المجتمع أن الخطر لم ينتهِ تمامًا، بل تغير شكله واتخذ صورًا أكثر تعقيدًا.

نحو واقع عربي جديد
اختتم جمال عبد الجواد حديثه بدعوة إلى إعادة صياغة الرؤية العربية المشتركة، مؤكدًا أن تجاوز الوضع الراهن لن يتم إلا بامتلاك العرب لأدوات التأثير والتحول من موقع المتلقي إلى موقع الفاعل.
وقال جمال عبد الجواد: "المنطقة العربية تملك مقومات الصعود، لكن ذلك يتطلب إرادة سياسية مستقلة، واستراتيجية إقليمية مشتركة، ووعيًا شعبيًا يفرّق بين الصالح العام والمشاريع الخارجية المغلفة بشعارات براقة"، واختتم قائلاً: "إذا لم نصنع واقعنا بأيدينا، سيظل الآخرون يصنعونه لنا... وفقًا لمصالحهم لا مصالح شعوبنا".