عاجل

باحث يكشف بالوثائق تورط الإخوان في نهب مخطوطات صوفية من الإسكندرية| خاص

مصطفى زايد
مصطفى زايد

تقف زاوية الرفاعية في زقاق ضيّق من أزقة حيّ الأنفوشي العتيق بالأسكندرية ، شامخة لقرون طويلة، تحفظ بين جدرانها مخطوطات نادرة وأسرارًا صوفية ورثها الخلف عن السلف. ولكن في ليلة واحدة من خريف 1954، سُرقت الذاكرة.

نهب المخططات

يقول الباحث الصوفي مصطفى زايد لـ نيوز رووم :لم تكن تلك السرقة  سرقة عادية. ولم يكن الهدف مالًا أو متاعًا، بل كان نهبًا مُخططًا لتراث روحي لا يُقدّر بثمن. والفاعل، كما تكشف الوثائق، هو جماعة الإخوان المسلمين.

أضاف:المعلومات التي نُشرت للمرة الأولى، تستند إلى ملفات أمنية مصرية، ووثائق دبلوماسية بريطانية، وتقارير أممية، تؤكد جميعها أن زاوية الرفاعية تعرّضت لاقتحام مسلّح في 15 أكتوبر 1954. ففي تلك الليلة، أبلغ سكان الحي عن "أصوات كسر وسحب صناديق ثقيلة من داخل الزاوية"، كما ورد في تقرير مباحث الإسكندرية رقم 456/1954 المحفوظ بدار الوثائق القومية (ص. 112). وأكد التقرير اختفاء 12 مخطوطًا نادرًا وختمًا ذهبيًا كان يُستخدم لتوثيق أوراد الطريقة.

 

نسخ من المخطوطات المسروقة
نسخ من المخطوطات المسروقة

 

 

الضابط حسين الشافعي، أحد المحققين في القضية، كتب في مذكراته لاحقًا: "توصلنا إلى خيط مهم: أحد المنفّذين طالب سابق في دار العلوم، معروف بارتباطه بتنظيم الإخوان، وكان يتردد على الزاوية بحجّة البحث في التاريخ الصوفي" (حسين الشافعي، مذكراتي في الظل، دار الهلال، 2002، ص. 215).
لكن المفاجأة الأكبر جاءت من لندن. في أرشيف وزارة الخارجية البريطانية، وتحديدًا في الوثيقة رقم FO 371/108356 المؤرخة في 3 ديسمبر 1954، تسجّل برقية صادرة عن السفير البريطاني بالقاهرة: "وردت تقارير تؤكد أن عناصر من الإخوان المسلمين قامت بسرقة وثائق دينية نادرة من زوايا صوفية بالإسكندرية، ويُعتقد أن المخطوطات نُقلت إلى خارج البلاد".
مرّت سنوات، إلى أن ظهر الدليل المادي. ففي تقرير صادر عن منظمة اليونسكو عام 2017، ظهر ذكر لمخطوط نادر بعنوان "الفتوحات الربانية في أسرار الحضرة الصوفية" محفوظ حاليًا في مكتبة خاصة بإسطنبول، يحمل على غلافه ختم زاوية الرفاعية القديم (UNESCO Report 2017/456، ص. 89).
هذا الاكتشاف دفع خبراء من المتحف الإسلامي بالقاهرة إلى فحص الصور وتحليل الخط والختم. النتيجة جاءت قاطعة: "المخطوط مطابق تمامًا للنسخ التي كانت مسجّلة لدى مكتبة الزاوية سنة 1948، والمسروقة عام 1954" (تقرير المتحف، رقم 17/2018، ص. 34).
ولم تترك مكتبة الإسكندرية الأمر للصدفة. فقد عثرت في سجل الزوايا الصوفية – رقم 324/ص على إثبات خطي يصف نفس المخطوط ضمن مقتنيات الزاوية حتى العام الذي سبقت فيه السرقة.
ويؤكد الدكتور محمد عبد الحميد، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة القاهرة، أن "المخطوطات لم تكن مجرد أوراق، بل حاويات للذاكرة والسر، وفي سرقتها محاولة لمسح وجه مصر الروحي" (مجلة "تاريخ الروح"، العدد 52، ص. 12).
وتُضيف د. ياسمين فؤاد، خبيرة المخطوطات الإسلامية، في ندوة علمية: "ما سُرق من الزوايا الصوفية خلال تلك الفترة يتجاوز المخطوط، إنه هجوم على البنية الخفية للتصوف المصري، بما فيها من أسانيد نادرة وأوراد غير منشورة تعود للقرن الثالث عشر الهجري" (جامعة الإسكندرية، ندوة مركز دراسات التصوف، فبراير 2019).
مَن سرق أسرار الأولياء؟ ولماذا؟ وكيف انتقلت تلك المخطوطات إلى إسطنبول؟
الأسئلة كثيرة، والحقائق بدأت تنكشف. لكن المؤكد أن بعض كنوز التصوف المصري، التي حملت نور الأولياء ووصايا الروح، لا تزال مخفية في خزائن مغلقة... تنتظر من يعيدها إلى حضنها الأول, وللموضوع تكملة أخرى عبر “نيوز رووم” .

تم نسخ الرابط