هل الأفضل تأخير صلاة العشاء في جماعة، أم تأديتها مع جماعة أولى بالمسجد؟

أوضحت دار الإفتاء أن أداء صلاة العشاء يستحب في أول وقتها، لكن الأفضلية في تأخيرها إلى ثلث الليل أو نصفه تختلف باختلاف الأحوال والأشخاص فهي ثابتة في حق النساء على وجه العموم، وكذلك في حق من لديهم عذر شرعي يمنعهم من حضور الجماعة، كالمريض أو من له حاجة مُلحة أما الرجال، فتثبت لهم أفضلية التأخير إذا كانوا جماعة في موضع لا يوجد فيه مسجد قريب، فيصلون في وقت متأخر دون تفريط لكن إن وُجد مسجد جامع قريب، فليس لهم أن يتركوا الصلاة فيه لأجل تأخيرها مع جماعة أخرى في غير المسجد، فحينئذ لا يكون للتأخير فضل وكذلك الحال إذا أقيمت الصلاة في المسجد ولكن تأخيرها يُسبب مشقة للمأمومين، فلا يكون في هذا التأخير فضيلة، بل يُراعى التخفيف ورفع الحرج
مذاهب الفقهاء في تأخير صلاة العشاء جماعة
وردت في الأحاديث النبوية الشريفة نصوصٌ صحيحة تدل على أن تأخير صلاة العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه أفضل من تعجيلها، لولا خشية المشقة على الأمة. فقد روى الترمذي عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَلأخَّرْتُ صَلَاةَ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ»، وقال عنه: “حديث حسن صحيح”. كما روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأمَرْتُهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا العِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ»، وقال عنه أيضًا: “حديث حسن صحيح”.
وقد ذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين، كما نقل ذلك الإمام النووي في “المجموع”، إلى استحباب تأخير صلاة العشاء، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وغيرهم، مستدلين بالأحاديث الصحيحة، ورأوا أن التأخير أفضل عند عدم وجود مشقة.
أما في مذهب الشافعي، فالمعتمد في القول القديم أن تعجيل العشاء أفضل، لكونه الفعل الذي داوم عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم. غير أن بعض فقهاء الشافعية – ومنهم ابن أبي هريرة – رجّحوا أن الأفضلية تتوقف على حال المصلّي: فإن كان لا يُخشى عليه من النوم أو الكسل، فالتأخير أولى، وإلا فالتعجيل أفضل له. وقد أيد النووي هذا الجمع بين الروايات، واعتبره قولًا ظاهرًا قويًّا.
متى تثبت أفضلية تأخير العشاء في الجماعة؟
تُثبت الأفضلية في تأخير صلاة العشاء في عدة حالات:
• أولًا: في حق النساء بوجه عام، وكذلك من لديهم عذر شرعي يمنعهم من حضور صلاة الجماعة، كالمرضى ونحوهم.
• ثانيًا: في حق جماعة من الرجال إذا كانوا في مكانٍ لا يوجد فيه مسجد، فيجوز لهم التأخير ويكون أفضل في هذه الحال.
• أما إذا كان هناك مسجد جامع قريب، فالصلاة فيه جماعة في أول الوقت أولى من تأخيرها والصلاة في مكان آخر، لأن الجماعة في المسجد أعظم أجرًا، خاصةً إذا كان عدد المصلين أكبر، كما نص عليه النووي في “المنهاج” وشرحه الخطيب الشربيني في “مغني المحتاج”، مستشهدين بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «وصلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاة الرجل مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله».
• كذلك، إن حصل التأخير داخل المسجد لكن ترتب عليه مشقة على المأمومين، فحينئذ لا يُستحب التأخير، بل يُقدَّم التخفيف على فضيلة التأخير، كما دلّ عليه حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عند أبي داود، حين صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم العشاء في نصف الليل وقال: «ولولا ضعف الضعيف وسقم السقيم لأخرتُ هذه الصلاة إلى شطر الليل»، مما يدل على مراعاة أحوال الناس في توقيت الصلاة.
وقد علّق ابن بطال المالكي بأن مثل هذا التأخير لا يناسب حال الأئمة اليوم، لما فيه من مشقة على الناس، مؤكدًا أن التخفيف والرفق بالمصلين أولى. ووافقه على ذلك الحافظ ابن حجر، الذي أشار في “فتح الباري” إلى أن الأفضلية في تأخير العشاء مشروطة بعدم المشقة على المأمومين، وعدم خشية النوم أو الكسل، وهو ما قرره النووي وغيره من الشافعية.
كيفية حساب ثلث الليل ونصفه
يبدأ وقت الليل من غروب الشمس وينتهي بطلوع الفجر الصادق، وما بينهما يُعد وقتًا لليل. ولمعرفة وقت ثلث الليل أو نصفه، يُحسب عدد الساعات بين الغروب والفجر، ثم يُقسّم هذا المجموع:
• النصف: بقسمة المدة على 2، ثم تضاف القيمة إلى وقت الغروب.
• الثلث: بقسمة المدة على 3، ثم تضاف قيمة الثلث إلى وقت المغرب