عاجل

في أحد مشاهد العبث، خرج علينا نقيب الموسيقيين مصطفى كامل، لا بصفته فنانًا، ولا بوصفه ممثلاً لمصالح أهل الطرب، بل في هيئة “شيخ حارة” يعظ، ويخطب، ويحقق مع راغب علامة، بتهمة أن الجمهور أحبه أكثر من اللازم!

نعم، لم تُخطئ القراءة.. نقيب الموسيقيين يفتح تحقيقاً مع راغب علامة بسبب “انفلات” مشهد عابر في حفل بالساحل الشمالي، وكأننا نعيش في دولة ولاية الفقيه، لا في وطن يحتفي بالفن والجمال والانفتاح!

منذ متى أصبح النقيب وصيًا على الأخلاق العامة؟!
منذ متى تسللت إلى مسرح النقابة وظيفة “الحسبة”؟
ومن فوض مصطفى كامل ليكون مرشدًا اجتماعيًا، ومفتشًا على نوايا الجماهير وردود أفعالهم العاطفية؟

إنه مشهد سريالي بامتياز.. نقيب يغض الطرف عن مهرجانات تحرّض على التحرش، وتبث في عقول المراهقين أناشيد البلطجة والانحطاط، ثم يشهر سيف القيم والأخلاق في وجه فنان عربي له تاريخه ونجوميته!

هل ضاق النقيب ذرعاً من الغياب عن تريندات السوشيال ميديا، فقرر أن يختار أسهل الطرق؟
هل أصبح الصعود على أكتاف “قضية هامشية” بديلاً عن التصدي الحقيقي لما يُفسد الذوق العام ويهدد مستقبل الفن؟

ما حدث في حفل راغب علامة – أياً كانت تفاصيله – لا يستحق أكثر من تعليق عابر، بل ربما لا يستحق حتى ذلك. فالجمهور عبّر – باندفاع – عن مشاعره تجاه فنان جاء من بيئة منفتحة، وصعد سُلم المجد على مدار ثلاثة عقود، دون أن يخطو خطوة واحدة خارج حدود الذوق أو اللياقة.

أتذكر يوم أن جاء الأسطورة الهندية أميتاب باتشان إلى القاهرة.. تدافع الآلاف نحو المطار، احتضنوه، قبّلوه، بل سجّل البعض قبلة على قدمه! لم يخرج علينا أحد وقتها بخطبة عصماء عن الأخلاق.. ولم يُحقق أحد مع أميتاب بتهمة أنه “لم يمنع جمهوره”!

نحن لا نُبرر الانفلات.. لكننا أيضًا لا نقبل أن نُستغفل.
وإذا أراد مصطفى كامل أن يصبح مُصلحاً اجتماعياً ،فليبدأ بمعركة حقيقية ضد “محتوى الأغاني”، لا ضد “انفعالات الجماهير”.
فليستمع – لو أراد – إلى بعض كلمات مطربي المهرجانات، التي تمتلئ بالتحريض الجنسي، والعنف، والتشويه المتعمد للغة والمجتمع.. أليست هذه أولى بالتحقيق والإحالة إلى النيابة؟!

سيدي النقيب، دورك أن تحمي الفن لا أن تفرض عليه وصاية أخلاقية زائفة.
احمِ الكلمة، اللحن، والمستوى.. واترك للجمهور أن يحب من يشاء، كيفما يشاء..
فالفن لا يُقاد بالسوط، ولا يُنظَّم ببلاغات الفضيلة.

تم نسخ الرابط