سليم سحاب: المسرح الغنائي هو مفتاح الحفاظ على تراثنا العربي

يُعد المايسترو الدكتور سليم سحاب واحد من أبرز القامات الموسيقية في العالم العربي، وصاحب مسيرة حافلة في نشر الثقافة الموسيقية وتدريب الأجيال الجديدة على أصول الفن الراقي، وُلد في لبنان، وتلقى دراسته الموسيقية الأكاديمية في موسكو، قبل أن يستقر في مصر ليُكمل رسالته الفنية والتعليمية في أرض الكنانة، التي احتضنته ومنحته الفرصة ليُعبّر عن رؤيته الإبداعية.
طوال مسيرته، قدّم سليم سحاب عشرات الحفلات والأعمال الموسيقية التي تمزج بين الطابع الكلاسيكي والتراث العربي الأصيل، كما أسس وأدار فرقًا موسيقية للأطفال والكبار، وأسهم بشكل فعّال في تأهيل مواهب موسيقية شابة استطاعت أن تشق طريقها نحو الاحتراف. وقد عُرف المايسترو سحاب بشغفه العميق بالموسيقى، وإيمانه بأن الفن رسالة مجتمعية وثقافية تسهم في بناء الوعي والحفاظ على الهوية.
سليم سحاب.. مايسترو الفن والرسالة
أكد المايسترو الدكتور سليم سحاب، خلال ظهوره في برنامج "ستوديو إكسترا" على قناة "إكسترا نيوز"، أن المسرح الغنائي يعد إحدى الركائز الأساسية في تاريخ وتوثيق التراث الموسيقي العربي، مشيرًا إلى أن دولًا مثل إيطاليا نجحت في بناء مجدها الموسيقي استنادًا إلى هذا الفن الراقي.
وأضاف سليم سحاب أن المسرح الغنائي لا يقتصر على كونه عرضًا فنيًا فقط، بل هو وعاء ثقافي وتاريخي يحمل في طياته الهوية الموسيقية للشعوب، موضحًا أن تجربته الطويلة ألهمته لفكرة إحياء هذا النوع من الفنون في مصر، رغم التحديات الكبرى وعلى رأسها التكلفة الإنتاجية المرتفعة.
"تراثنا يضيع" .. دعوة لإنقاذ الموسيقى العربية
قال سليم سحاب: "تراثنا الغنائي يضيع أمام أعيننا، وعلينا أن نتحرك للحفاظ عليه"، معتبرًا أن المسرح الغنائي هو الوسيلة الأنسب لتوثيق هذا التراث ومنع اندثاره، في ظل غياب مشاريع إنتاجية كبرى تهتم بالفن الموسيقي الحقيقي.
ورغم أن الفيلم الغنائي مثّل بديلًا جزئيًا في بعض الفترات، إلا أن سليم سحاب شدد على أنه لا يمكن أن يحل محل المسرح الغنائي من حيث التفاعل الحي والتأثير الثقافي، لأن العمل المسرحي المباشر يحمل طاقة مختلفة تصل مباشرة إلى المتلقي.
الجمهور المصري ذواق للفن الحقيقي
أعرب سليم سحاب عن ثقته في ذوق الجمهور المصري، مؤكدًا أن الشعب المصري يُقدّر الفن الأصيل، قائًلا: "أنا أؤمن أن الجمهور المصري ذواق للفن الحقيقي، وسيُقبل على هذا النوع من العروض إذا قُدّم له بجودة وإخلاص".
وأشار إلى أن التجارب التي خاضها سابقًا مع فرق الأطفال والشباب أثبتت أن الذوق العام لا يزال بخير، وما ينقص هو التوجيه الجاد والاستثمار في الطاقات الفنية الكامنة داخل المجتمع المصري.
مصر ما زالت تنجب المواهب الموسيقية
وفي حديثه عن الواقع الفني في مصر، شدد سليم سحاب على أن البلاد لا تزال ولّادة بالفن والفنانين، قائًلا: "منذ أن جئت إلى مصر، وأنا أرى مواهب جديدة كل عام، بعضها يدهشني فعلًا".
وأوضح سليم سحاب أن التعليم الموسيقي من أصعب أنواع التعليم، ولا يمكن للمتعلم أن ينجح فيه إلا إذا امتلك الشغف والحب الحقيقي للموسيقى، وهو ما يسعى دائمًا إلى ترسيخه في طلابه.
التعليم الموسيقي .. مسار طويل وصبر كبير
ونوّه سليم سحاب إلى أن تعلم الموسيقى لا يتم في يوم وليلة، بل هو مسار تربوي وتدريبي طويل، يتطلب صبرًا من المعلم والمتعلم على حد سواء. وأضاف: "غرس المهارات الموسيقية يحتاج إلى نفس طويل، ورعاية مستمرة منذ البدايات".
وأكد سليم سحاب أن التعليم والتدريب هما الأساس الحقيقي للاحتراف، سواء في العزف أو الغناء، وأن النجاح لا يمكن أن يتحقق دون الانضباط الفني والتفاني في التدريب.
مشروع قومي لاكتشاف المواهب في كل المحافظات
كشف سليم سحاب عن تكليفه من قبل وزارة الثقافة بمشروع قومي لاكتشاف المواهب الفنية في مختلف محافظات مصر، بالتعاون مع الهيئة العامة لقصور الثقافة، مشيرًا إلى أن هذا المشروع يعد فرصة ذهبية لإبراز الطاقات الإبداعية غير المكتشفة في القرى والمدن.
وأوضح سليم سحاب أن المشروع سيشمل زيارات ميدانية للمحافظات، تم تقسيمها إلى مجموعات، وسيتم الإعلان عن المواعيد مسبقًا لإتاحة الفرصة أمام المواهب الشابة للتقديم والمشاركة.
تفاصيل مؤتمر إطلاق مشروع تدريب الموهوبين
ومن المقرر أن تعقد الهيئة العامة لقصور الثقافة مؤتمرًا صحفيًا يوم الاثنين 21 يوليو، للإعلان عن تفاصيل المشروع الوطني لاكتشاف وتدريب المواهب، بالتعاون مع المايسترو سليم سحاب.
يقام المؤتمر تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، على مسرح السامر بالعجوزة في تمام الساعة الثانية عشرة ظهرًا، بحضور عدد من قيادات وزارة الثقافة، ونخبة من الفنانين والإعلاميين والمبدعين.
منظومة فنية متكاملة لتأهيل الموهوبين
وسيتضمن المشروع برامج تدريبية منظمة لاكتشاف وتطوير الموهوبين في مجالات الموسيقى والغناء، ضمن منظومة فنية وثقافية متكاملة تهدف إلى رفع كفاءة الأداء الفني وتعزيز الذوق العام.
وسيتم تقديم برامج التدريب تحت إشراف نخبة من المتخصصين، بقيادة المايسترو سحاب، مع التركيز على الجانب الأكاديمي والتطبيقي لتأهيل المواهب وفق المعايير المهنية العالية.
دعم وزاري للمشروع .. وتعاون مستمر مع سحاب
وكان وزير الثقافة قد التقى بالمايسترو سليم سحاب مؤخرًا لبحث سبل التعاون الفني بين الوزارة وفرقته، حيث تم الاتفاق على إطلاق هذه المبادرات الطموحة التي تعكس حرص الدولة على توجيه طاقات الشباب نحو الإبداع.
وأكد الوزير أن المشروع يأتي في إطار خطة أوسع لـ ترسيخ الهوية الثقافية المصرية والارتقاء بالذوق العام، مع دعم المواهب في المناطق الأقل حظًا من حيث الخدمات الثقافية والفنية.
صيف الأوبرا 2025 .. الفنون تخرج إلى الشارع
وفي سياق متصل، أعلن الدكتور علاء عبد السلام، رئيس دار الأوبرا المصرية، عن انطلاق فعاليات صيف الأوبرا 2025 من استاد الإسكندرية، أقدم استاد في مصر وإفريقيا، في خطوة تعكس الفكر المتجدد لوزارة الثقافة في استغلال الأماكن المفتوحة لإقامة الأنشطة الفنية.
وأشار عبد السلام إلى أن البرنامج الفني يشمل عروضًا موسيقية وغنائية متنوعة، تمزج بين الطابع التراثي والمعاصر، وتناسب الأجواء الصيفية للمدينة الساحلية، بهدف جذب جمهور واسع من محبي الفنون الجادة.
الأوبرا في قلب المجتمع .. سياسة ثقافية جديدة
واعتبر عبد السلام أن هذا التوجه يمثل تحولًا في السياسة الثقافية الرسمية، عبر كسر الحواجز التقليدية بين الفن والجمهور، مشيرًا إلى أن إقامة الفعاليات في أماكن مفتوحة وأثرية تسهم في نشر الثقافة ورفع الوعي الفني.
وأوضح أن تنظيم عروض الأوبرا في مواقع غير نمطية مثل استاد الإسكندرية هو جزء من رؤية متكاملة لتوسيع قاعدة الجمهور، ونقل الفنون الجادة إلى الناس حيثما وُجدوا، وليس فقط في القاعات المغلقة.

رسالة الفن المصري تتجدد
في ختام حديثه، شدد المايسترو سليم سحاب على أن التعليم والتدريب هو الطريق إلى النجومية، مضيفًا: "نحن لا نبحث عن الشهرة الزائفة، بل عن الموهبة الحقيقية، عن الأصوات التي تستحق أن تُمنح الفرصة لتتألق".
وأكد أن مصر قادرة على استعادة مكانتها الفنية من خلال هذه المشاريع المتكاملة التي ترتقي بالذوق العام وتعيد إحياء التراث، داعيًا إلى تقديم الدعم الكامل لكل مبادرة تسهم في بناء جيل فني جديد يحمل شعلة الإبداع بجدارة.