بعد واقعة عزاء ذوي الهمم.. أزهري يعلق: جبر الخواطر عبادة لا يعرفها الكثير

تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات الماضية مقطع فيديو أثار تفاعلا واسعا ، يظهر فيه أحد الأشخاص من أصحاب الهمم داخل سرادق عزاء، بينما بدا في المقطع محاولة عدد من الحضور إخراجه، قبل أن يتدخل قارئ القرآن الموجود في العزاء ويمنعهم من ذلك. وظهر القارئ وهو يوقف تلاوته، مطالبًا بترك الرجل وعدم إخراجه.
وقال الشيخ أحمد سمير الأزهري، أحد علماء الأزهر الشريف، إن من أعظم العبادات التي غابت عن كثير من الناس في هذا الزمان عبادة جبر الخواطر، وهي ليست سلوكًا اجتماعيًا فحسب، بل عبادة ربانية عظيمة، جاءت بها الشريعة، ومارسها النبي ﷺ في كل تعاملاته.
وأكد الأزهري في تصريح خاص لـ «نيوز رووم»، أن جبر الخواطر من صميم الإسلام، بل وصفه الإمام سفيان الثوري بأنه “ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلى الله مثل جبر الخاطر”، مشيرًا إلى أن هذا الخلق دليل على سمو النفس، وحسن الأدب، وتمام الإيمان.
القرآن يجبر خاطر النبي
وتابع الشيخ الأزهري: “لو تأملنا سورة الضحى، لوجدنا فيها جبر خاطر عظيم من الله لنبيه ﷺ، حين قال له: ولسوف يعطيك ربك فترضى، فالله عز وجل جابر القلوب، ورافع الهم، وكاشف الغم، ومن أسمائه الحسنى الجبار، أي الذي يجبر المنكسرين، لا كما يفهمه البعض بأنه اسم للبطش”.
وأضاف: “نحن اليوم في زمن أصبح كثير من الناس يتحدثون بلا وعي ولا رحمة، والكلمة قد تهدم قلبًا، أو تكسر خاطرًا، فيبقى أثرها في النفس لسنوات، والنبي ﷺ كان ينتقي كلامه كما يُنتقى أطايب الثمر، يراعي شعور الصغير والكبير، ويُشعر كل من حوله بأنه مهم ومحبوب”.
مواقف نبوية خالدة
وأشار إلى أن النبي ﷺ كان سيد الجابرين للخواطر، واستعرض بعض المواقف، منها:
ولما رأى طفلًا مات طائره الذي يلاعبه، قال له مداعبًا: “يا أبا عمير، ما فعل النُغَير؟”، مع أن الطفل صغير، لكنه جبر قلبه بكلمات بسيطة، وأشعره أن مشاعره مهمة، وأن فقدانه للطائر ليس هينًا كما يراه الكبار، بل هو أمر يستحق التقدير والمواساة.
* ولما رأى الصحابي أبا أُمامة مهمومًا جالسًا في المسجد، قال له:
“ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت صلاة؟”
ففتح له باب الحديث، ولم يُنكر عليه حزنه، بل أصغى إليه، حتى قال له أبو أمامة:
“همومٌ لزمتني وديون يا رسول الله.”
فقال له النبي ﷺ كلمات تذهب الهم والدين، وأرشده لذكر عظيم فقال:
“قل إذا أصبحتَ وإذا أمسيتَ:
اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل،
وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال.”
قال أبو أمامة: ففعلتُ، فأذهب الله همّي، وقضى عني ديني.
* وعندما رأى النبي ﷺ رجلًا فقير الهيئة، ثيابه ممزقة، لا يكاد يُلتفت إليه، بادر بجبر خاطره، وقال:
“ربَّ أشعث أغبر، مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبرّه.”
فجعل قدره عند الله أعظم من مظهره عند الناس، ليعلّم الأمة أن جبر الخواطر لا يكون بالمظهر، بل بالمكانة عند الله.
* وكان النبي ﷺ إذا رأى أحدًا منكسرًا، جبره ولو بنظرة حنان، أو كلمة طيبة، أو دعوة صادقة.
فهذا هو الدين، وهذا هو خُلق الرحمة: أن تواسي، أن ترفق، أن تشعر بغيرك،
أن تواسي بكلمة… أو حتى بسكوت فيه احترام
وأوضح أن هذا الخلق كان أيضًا عند الصحابة، فكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إذا تصدق بالتمر، اختار أجوده، ويقول:
“إنهم لا يستطيعون التخيير، فأنا أتخير لهم كما أتخير لنفسي”.
لا تغتر بالمظاهر.. فالله أعلم بالقلوب
وفي ختام حديثه، علّق الشيخ الأزهري على مشهد المقرئ الذي جبر خاطر صاحب همم في عزاء، وقال:
“هذا الموقف يذكرنا بحديث النبي ﷺ:رب أشعث أغبر، لو أقسم على الله لأبره،
فلا نحكم على الناس بمظاهرهم، فربما إنسان بسيط في الشارع أقرب إلى الله من ألف متزين في المساجد”.
وختم حديثه بالدعوة إلى إحياء هذه العبادة قائلا: “والله إن جبر الخواطر عبادة عظيمة، لا تحتاج مالًا ولا جهدًا، بل تحتاج قلبًا حيًا ولسانًا رقيقًا.. فلا تحقرن من المعروف شيئًا، ولنجعلها منهج حياة” اضغط هنا