عاجل

بعد تغيّر المشهد السوري.. روسيا تعيد انتشار قواتها شرقًا

مروحات روسية
مروحات روسية

بدأت روسيا خلال الأشهر الماضية تنفيذ واحدة من أهم وأوسع عمليات إعادة التموضع العسكري داخل الأراضي السورية، وذلك بنقل الجزء الأكبر من قواتها من قاعدة حميميم في محافظة اللاذقية إلى قاعدة مطار القامشلي في شمال شرقي سوريا، وهي منطقة تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد".

القوات الروسية باتت تسيطر فعليًا على القاعدة الجوية في القامشلي

وتؤكد صور الأقمار الصناعية والتقارير الميدانية أن القوات الروسية باتت تسيطر فعليًا على القاعدة الجوية في القامشلي، بعد تنفيذ أكثر من 25 رحلة جوية لطائرات شحن ونقل عسكرية بين قاعدة حميميم والقامشلي، خلال الفترة الممتدة من يناير إلى يونيو 2025.

ويعكس هذا النشاط الجوي الكثيف عملية نقل منظمة ومدروسة شملت جنودًا ومعدات ثقيلة وأسلحة وعتادًا لوجستيًا، ما يدل على نية واضحة من موسكو لتحويل القامشلي إلى مركز ثقل عسكري جديد لها في سوريا، ضمن خطة استراتيجية تهدف لتعزيز مواقعها في المنطقة بعد التغييرات السياسية والعسكرية التي شهدتها البلاد.

وبحسب مصادر سورية مطلعة، فإن هذه الخطوة الروسية لم تكن عشوائية أو ظرفية، بل جاءت بناءً على تنسيق مباشر مع قيادة "قسد"، ضمن تفاهمات جديدة تم التوصل إليها بعد تراجع علاقة "قسد" مع واشنطن وتعثر المفاوضات بينها وبين الحكومة السورية الانتقالية حول اتفاق 10 مارس، الذي لم يُنفذ حتى الآن.

وأكدت المصادر أن القيادة الجديدة في دمشق لم تعد تبدي ترحيبًا بوجود القوات الروسية في قاعدة حميميم، خاصة بعد تعرض القاعدة لهجمات متكررة من جماعات مسلحة يعتقد أنها قريبة من دوائر السلطة الجديدة، ما جعل من بقاء الروس في الساحل السوري مسألة محفوفة بالمخاطر السياسية والعسكرية.

ويرى مراقبون أن هذه التحركات تعكس مساعي "قسد" للحصول على مظلة دعم عسكرية وسياسية بديلة عن الدعم الأمريكي، في ظل تصاعد الدعوات داخل الولايات المتحدة لحل "قسد" ودمجها في جيش سوري موحد، الأمر الذي قد يضعف استقلاليتها ويحد من قدرتها على فرض شروطها.

روسيا وجدت نفسها في موقف حرج بعد سقوط نظام بشار الأسد

من جهته، اعتبر المحللون أن روسيا وجدت نفسها في موقف حرج بعد سقوط نظام بشار الأسد، وهو ما أجبرها على الاختيار بين سحب قواتها من سوريا في ظل نظام جديد قد يكون معاديًا لها، أو محاولة فتح قنوات تواصل مع هذا النظام للحفاظ على وجودها ورسم خريطة نفوذ جديدة داخل البلاد.

وقال أيوب، إن موسكو نجحت في الحفاظ على وجودها العسكري رغم الضغوط الغربية والأمريكية، من خلال إعادة ترتيب علاقاتها مع السلطة الجديدة في دمشق، لكن هذا الوجود بات محكومًا بقيود واضحة تحد من تحركات الجيش الروسي داخل الأراضي السورية.

وأضاف المحللون أن روسيا، مدركة لمحدودية هذا الاتفاق، قررت توسيع مجال تحركها العسكري بالانتقال إلى مناطق سورية لا تخضع بالكامل للسيطرة المركزية، وعلى رأسها منطقة القامشلي التي تتمتع بموقع استراتيجي مهم لقربها من الحدود مع تركيا والعراق، إلى جانب ما تتمتع به من موارد طبيعية مثل النفط والغاز.

منطقة القامشلي تتيح لروسيا فرصة لتعزيز نفوذها العسكري والسياسي في سوريا

وأكد المحللون أن منطقة القامشلي تتيح لروسيا فرصة لتعزيز نفوذها العسكري والسياسي في سوريا، وقد تكون بديلًا استراتيجيًا أكثر فاعلية من قاعدتَي حميميم وطرطوس اللتين باتتا تحت الضغط السياسي والعسكري من قبل السلطة المركزية في دمشق، كما أن موسكو ترى في الأكراد طرفًا يمكن البناء عليه في استراتيجيتها السورية، خاصة في ظل توتر علاقاتهم مع كل من واشنطن وأنقرة، لافتًا إلى أن المواقف الأمريكية المتقلبة، خاصة في عهد الرئيس دونالد ترامب، تركت الأكراد في حالة من الحذر والشك تجاه واشنطن، ما قد يجعلهم أكثر استعدادًا لقبول التعاون مع روسيا التي لا تلجأ إلى أساليب العقوبات أو التدخل الصريح.

وأشاروا المحللون  إلى أن روسيا لا تسعى إلى حل القضية الكردية بشكل نهائي، بل إلى توظيفها كوسيلة لخدمة مصالحها الاستراتيجية في سوريا والمنطقة ككل، خصوصًا مع سعي الكرملين إلى تثبيت دوره كفاعل رئيسي في الشرق الأوسط، ليس فقط عبر سوريا، بل أيضًا من خلال توسيع نفوذه في البحر الأحمر وإفريقيا وتعزيز علاقاته مع دول الخليج العربي، كما أن انسحاب روسيا من الساحة السورية سيعني تراجعًا كبيرًا لدورها الجيوسياسي في المنطقة، لذلك فهي تبذل جهودًا كبيرة للحفاظ على هذا الدور، سواء عبر تعزيز وجودها العسكري أو من خلال توسيع شبكة تحالفاتها السياسية والاستراتيجية.

تم نسخ الرابط