الجيش الإسرائيلي ينزف بصمت: انتحار العشرات من جنوده منذ اندلاع الحرب

أفادت صحيفة هآرتس العبرية بارتفاع لافت لعدد حالات انتحار الجنود الإسرائيليين أثناء الخدمة العسكرية، منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023. وأشارت الصحيفة إلى تسجيل حالة انتحار جديدة في قاعدة شمالية، وهي الثالثة خلال ثمانية أيام فقط.
إحصائيات صادمة تكشف عن تصاعد الظاهرة
منذ بداية الحرب وحتى نهاية عام 2023، أقدم 7 جنود على الانتحار أثناء الخدمة الفعلية. أما في عام 2024، فقد ارتفع الرقم إلى 21 جنديًا. وتشير التقديرات إلى انتحار ما لا يقل عن 15 جنديًا إضافيًا منذ بداية العام الجاري، ورغم هذه الأرقام، يرفض الجيش الإسرائيلي الكشف عن حصيلة رسمية لحالات الانتحار منذ بداية العام، معلنًا أنه لن ينشر المعطيات النهائية إلا في نهاية 2025.

جنود الاحتياط في دائرة الخطر
كما أوضحت الصحيفة العبرية، أن غالبية حالات الانتحار سُجّلت في صفوف جنود الاحتياط الذين يخدمون فعليًا خلال الحرب، وهو ما يعكس حجم الضغط النفسي الذي يتعرض له هؤلاء. ورغم ذلك، تفيد مصادر عسكرية بأن المعدل العام لحالات الانتحار قد شهد انخفاضًا نسبيًا منذ بداية الحرب.
من جهته، يعزو الجيش الإسرائيلي تصاعد حالات الانتحار إلى الزيادة الكبيرة في عدد المجندين، خاصة من قوات الاحتياط، موضحًا أن معظم الحالات ناتجة عن "ظروف شخصية" لا علاقة مباشرة لها بالأحداث القتالية.
لكن بحسب ما تنقله هآرتس، فإن العديد من المنتحرين كانوا قد خاضوا تجارب قتالية عنيفة، ما يجعل من الصعب فصل هذه الأحداث عن تدهور حالتهم النفسية.
وتكشف هذه المعطيات عن أزمة نفسية متفاقمة داخل الجيش الإسرائيلي، في ظل الضغوط المتزايدة المرتبطة بالحرب، وغياب الدعم الكافي للجنود، خاصة أولئك الذين يعودون من ساحات المعارك وهم يحملون أعباءً نفسية ثقيلة.

حالات الانتحار داخل جيش الاحتلال الإسرائيلي
وبحسب تقرير صدر عن جيش الاحتلال الإسرائيلي، فقد ارتفعت حالات الانتحار بين الجنود خلال عام 2024 إلى 21 حالة، مقارنة بـ17 حالة في عام 2023، وهو أعلى معدل يتم تسجيله منذ عام 2011. وأشار التقرير إلى أن 12 من المنتحرين كانوا من جنود الاحتياط، ما يعكس تفاقم الضغط النفسي الناجم عن تكثيف الخدمة العسكرية.
ورصد التقرير تطورات معدلات الانتحار خلال العقد الأخير، مبيّناً أن أقل عدد من الحالات سُجل في عامي 2018 و2020 بواقع 9 حالات، بينما شهد عام 2024 ارتفاعاً حاداً، مما يعكس تزايد الضغوط النفسية التي يواجهها الجنود.
وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" قد نشرت في نوفمبر الماضي تقريراً تحدثت فيه عن انتحار 6 جنود إسرائيليين خلال الأشهر التي سبقت النشر، جميعهم ممن خدموا لفترات طويلة في حربي غزة ولبنان، مؤكدة أن هذه الأرقام لا تعكس الصورة الكاملة، في ظل امتناع جيش الكيان عن نشر المعطيات الكاملة بشأن المنتحرين أو من حاولوا الانتحار.
وأشار التقرير إلى أن الانتحار يأتي كثاني أبرز سبب لوفاة الجنود بعد النشاط العملياتي، حيث قُتل 807 جنود خلال عامي 2023 و2024 نتيجة عمليات عسكرية، بواقع 512 قتيلاً في 2023 و295 في 2024، فيما ارتفع عدد الوفيات الناتجة عن "عمليات عدائية" إلى 11 حالة في 2024 مقابل 4 حالات في 2023.
وبلغ مجموع وفيات الجنود في 2023 نحو 558 حالة، بينما انخفض العدد إلى 363 حالة في 2024، وتوزعت أسبابها بين العمليات العسكرية، والحوادث، والانتحار، والأمراض.
وفي محاولة لاحتواء الأزمة، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عن حزمة من الإجراءات لتعزيز الصحة النفسية بين أفراده، شملت افتتاح خط دعم نفسي يعمل على مدار الساعة، وزيادة عدد ضباط الصحة النفسية وتوسيع صلاحياتهم، وإنشاء عيادة متخصصة للعلاج النفسي لجنود الخدمة النظامية، إلى جانب إطلاق برامج تهدف إلى تعزيز الصلابة النفسية خلال العمليات.

اضطراب ما بعد الصدمة داخل جيش الاحتلال
ووفق تقارير نقلت عن مكتب إعادة الإدماج التابع لوزارة الحرب الإسرائيلية، فإن نحو 5200 جندي أي 43% من مجمل الجرحى الذين يتم استقبالهم في مراكز التأهيل يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، وتوقعت الوزارة أن يتلقى حوالي 100 ألف شخص علاجًا نفسيًا بحلول عام 2030، نصفهم على الأقل مصابون باضطراب ما بعد الصدمة.
كما أشار التقرير إلى أن نحو 15% من الجنود النظاميين الذين تلقوا علاجًا نفسيًا بعد خروجهم من غزة لم يتمكنوا من العودة إلى القتال مجددًا، بسبب ما يواجهونه من صعوبات نفسية.
وفي هذا السياق، بدأ الجيش بتطبيق نظام تحقيق مفصّل في كل حالة انتحار مشتبه بها، مع مراجعة شاملة للظروف المحيطة بها، بالإضافة إلى إطلاق تدريبات خاصة للقادة العسكريين لتمكينهم من رصد مؤشرات التدهور النفسي لدى الجنود وتعزيز بيئة الخدمة لتقليل الضغوط.