لماذا اعترفت روسيا بحركة طالبان؟.. 3 دوافع رئيسية للقرار

في خطوة أنهت عزلة دولية لمدة أربع سنوات من دون الاعتراف بها من قبل أي دولة، أعلنت وزارة الخارجية في حكومة حركة طالبان، في 4 يوليو 2025، اعتراف روسيا بحكومة الحركة رسمياً، ورفع علمها على مبنى السفارة الأفغانية في موسكو، واعتماد أوراق السفير جول حسن كأول سفير للحركة لدى موسكو ، وبذلك تعد روسيا أول دولة تعترف رسمياً بالإمارة الإسلامية في أفغانستان، منذ استيلاء حركة طالبان على السلطة داخل الأخيرة للمرة الثانية عام 2021.
لماذا اعترفت روسيا بحركة طالبان
وكانت موسكو قد أعطت مؤشرات مسبقة لهذه الخطوة المنفردة حين وافقت المحكمة العليا الروسية في أبريل الماضي على طلب المدعي العام برفع الحظر المفروض على أنشطة حركة طالبان في الأراضي الروسية، وهو قرار وصفته الخارجية الروسية بأنه "تمهيد أساسي لإقامة شراكة كاملة تصب في مصلحة الشعبين الروسي والأفغاني"، بعد أن خضعت الحركة لهذا التصنيف من قبل روسيا أكثر من عشرين عاماً، حيث صدر القرار بحظر الحركة عام 2003.
ووفقًا لدراسة أعدها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، يأتي قرار روسيا بالاعتراف بشرعية حكومة حركة طالبان ليصب في مصلحة الحركة، وبكل ما تحمله الكلمة من معنى، ويفتح أمامها آفاقاً دولية أغلقت لأربع سنوات بسبب عدم التزام الحركة بشروط المجتمع الدولي التي وضعها كي يتم الاعتراف بشرعيتها، لاسيما تمثيل كل فئات الشعب في الحكومة التي عينتها، ومنح الأقليات والنساء مزيداً من الحريات، وهو على عكس ما انتهجته الحركة تماماً، حيث جاء التشكيل الحكومي خالياً من التيارات السياسية المختلفة ولم يشارك ممثلون عن الأقليات، فيما أمعنت الحركة في التمييز ضد النساء والفتيات. وفي الوقت نفسه يفتح القرار المجال أمام تساؤلات حول دوافع روسيا لاتخاذ هذا القرار في ظل عدم تقديم الحركة أي مبادرة تشير إلى حرصها على تنفيذ شروط المجتمع الدولي.
تطور تدريجي
لم يكن قرار روسيا الاعتراف بحركة طالبان كحاكم شرعي في أفغانستان، مفاجئاً، بل جاء تدريجياً، حيث شهدت العلاقة بين روسيا والحركة تحولات مهمة منذ استيلائها على السلطة في أفغانستان عام 2021، مفاد هذه التحولات أن روسيا قد تبنت نهجاً براجماتياً مع طالبان، تجنبت عبره العداء التاريخي مع الأخيرة، لترى أنه من الممكن إقامة علاقات أكثر انفتاحاً معها بما يحقق مصلحة الطرفين. وتجلى ذلك بشكل كبير في تزايد التعاون فيما بينهما، فيما كانت روسيا ضمن دول معدودة لم تغلق سفاراتها في أفغانستان عقب سيطرة الحركة علي كابول.
ونظراً لأهمية القرار الروسي بالنسبة لحركة طالبان، وصفت وزارة خارجية الحركة اعتراف روسيا بأنه "خطوة تاريخية"، كما أعلن وزير خارجية طالبان أمير خان متقي ترحيبه بالقرار واعتبره "مثالاً جيداً للدول الأخرى".
كما احتفى قطاع كبير من أفغان الداخل بقرار روسيا، معتبرين أن التعامل الدولي مع حكومة الحركة من شأنه أن يعزز التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي والتبادل التجاري في ظل ما تعانيه أفغانستان من أزمات اقتصادية طاحنة، نتيجة تجميد الأصول الأفغانية في الخارج، وتعطيل جهود إعادة الإعمار نتيجة العزوف الدولي عن هذه الخطوة المهمة بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة في البلاد.
ويمكن القول إن قرار روسيا الاعتراف بحكومة حركة طالبان من شأنه أن يشجع دولاً أخرى، لاسيما من دول الجوار الأفغاني، بصرف النظر عن تنفيذ الحركة لاشتراطات دولية في مجال الحريات السياسية والاجتماعية، لاسيما الصين التي وقعت اتفاقية لاستخراج النفط مع طالبان في 2023، وتعهدت بتمديد الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني إلى أفغانستان، والهند التي استأنفت منح التأشيرات للمواطنين الأفغان عام 2024.
فيما أثارت الخطوة الروسية انتقادات لدى الحقوقيين والناشطين الذين ينتقدون استمرار إغلاق المدارس والجامعات أمام الفتيات، وغياب التمثيل الشعبي في الحكومة. فعلى سبيل المثال، اعتبرت السياسية الأفغانية السابقة والناشطة في مجال حقوق المرأة فوزية كوفي أن "أي خطوة تتخذها أي دولة على صعيد تطبيع العلاقات مع طالبان لن تجلب السلام، وإنما ستشرعن الإفلات من العقاب".
كما أشارت العضوة السابقة في البرلمان الأفغاني مريم سليمان خيل إلى أن هذه الخطوة "تضفي شرعية على نظام يحظر تعليم الفتيات، ويؤوي إرهابيين مدرجين على قوائم عقوبات الأمم المتحدة، وأن المصالح الاستراتيجية ستغلب حقوق الإنسان والقانون الدولي". كما وصف وزير الخارجية الأفغاني السابق رنجين دادفر القرار الروسي بأنه "مؤسف"، مشيراً إلى أن "دولاً أخرى ستحذو حذو روسيا، لاسيما مع غياب معارضة واسعة النطاق لهذه الخطوة".
دوافع موسكو
اعتمدت روسيا في قرارها على نهج برجماتي يعلي من مصالحها التي يمكن أن تتحقق بتطبيع العلاقات مع حركة طالبان، وتجنيب خلافات الماضي، من بين هذه المصالح:
1- مواجهة التهديدات الأمنية: تواجه روسيا مخاطر أمنية كبيرة من قبل الجماعات المسلحة المتمركزة في عدد من دول المنطقة، من بينها أفغانستان التي ينشط بها الفرع الأفغاني من تنظيم داعش "داعش خراسان"، الذي شن هجوماً إرهابياً – تبناه لاحقاً- في الداخل الروسي على قاعة "كروكوس" للحفلات الموسيقية بموسكو في مارس 2024، أسفر عن مقتل 144 شخصاً حسب ما أعلنت لجنة التحقيق الروسية.
كما هاجم التنظيم مقر السفارة الروسية في كابل عام 2022. وتخشى روسيا أيضاً تسلل مقاتلي داعش أو القاعدة من أفغانستان إلى جمهوريات آسيا الوسطى المتحالفة معها، وبالتالي، يهدف التعاون مع طالبان إلى احتوائهم ومنع تحول أفغانستان إلى قاعدة لانطلاق الجماعات المسلحة نحو المحيط الروسي.
فيما يعد التنظيم أحد أعداء حركة طالبان في الداخل الأفغاني، وبالرغم من تأكيد الأخيرة على دحر التنظيم، إلا أنه نشط بشكل ملحوظ خلال العام الماضي، وهو ما أكد عليه تقرير"Special Inspector General for Afghanistan Reconstruction (SIGAR)" الصادر على موقع التقرير في 30 يناير 2025، والذي أوضح أن تنظيم داعش خراسان، لازال أحد أكبر التهديدات الأمنية في أفغانستان، مشيراً إلى أنه أعلن مسئوليته عن 60 هجوماً خلال عام 2024، شملت أفغانستان، وإيران، وروسيا، وباكستان، وتركيا، وأن هذا الرقم يمثل زيادة بنحو 40% عن هجماته خلال عام 2023[1].
في هذا الإطار، تتطلع حركة طالبان لتعزيز التعاون مع روسيا من أجل احتواء نفوذ التنظيم، وهو في الحقيقة هدف مشترك بينهما خاصة بعد نجاح الأخير في اختراق الداخل الروسي وتنفيذ هجوم إرهابي كبير في العاصمة.
فيما اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن حركة طالبان "حليف في مكافحة الإرهاب، وأن روسيا ستواصل مساعدة كابول في تعزيز الأمن الإقليمي ومكافحة تهديدات الإرهاب والجرائم المتعلقة بالمخدرات"، وذلك في تصريح له في يوليو 2024.
2- تعزيز النفوذ الروسي: تسعى روسيا إلى تعويض ما خسرته بانشغالها بالحرب على أوكرانيا، مع طول أمد الحرب، لاسيما مع الضغوط الغربية عليها بسبب الحرب، وبالتالى تبحث موسكو عن تحالفات ومصالح في محيطها الإقليمي إلى جانب تحالفها مع دول آسيا الوسطي، لتعزيز نفوذها بهدف الالتفاف على العقوبات الغربية عليها، فضلاً عن تعزيز نفوذها السياسي والعسكري في مواجهة الغرب والولايات المتحدة، وترسيخ موقعها كقوة مؤثرة في جنوب آسيا، وبالتالى فإن التحالف مع طالبان يساعد روسيا على تقديم نفسها كوسيط للاستقرار الإقليمي، لاسيما وأن هذا التحالف جاء بخطوة منفردة مما يعزز فكرة أن موسكو قادرة على فرض واقع جديد في السياسة الدولية خارج الهيمنة الغربية.
وعلى الأرجح، فإن روسيا ستستفيد من حركة طالبان لتكون ورقة ضغط في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، حيث تعد أفغانستان على الرغم من وضعها الأمني والاقتصادي دولة مهمة في منطقة وسط وجنوب آسيا. كما تجد روسيا فرصة مواتية لتحقيق أهداف توسيع نفوذها في ظل الفراغ الجيوسياسي في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي بنهاية عام 2021، ومن ثم استمرار موسكو في الترويج لفكرة إخفاق الولايات المتحدة في أفغانستان، وقدرتها على التعامل الواقعي مع الأنظمة المختلفة، وهو ما يتيح لروسيا فرصاً لاستثمار هذا الإخفاق من خلال دمج أفغانستان في الفضاء الأوراسي، عبر المنظمات الإقليمية في هذه المنطقة التي ترعاها روسيا، مثل منظمة معاهدة الأمن الجماعي، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
3- توسيع نطاق التعاون الاقتصادي: ربما كان المحدد الاقتصادي هو المحرك الأول لروسيا في تعاملها مع حركة طالبان بعد استيلائها على الحكم في أفغانستان، ومحركاً أساسياً أيضاً عند اتخاذها قرار الاعتراف بالحركة، حيث كانت روسيا أول دولة تفتح مكتباً تمثيلياً تجارياً في كابول، كما سارعت بالإعلان عن خطط للتعاون مع أفغانستان كدولة ترانزيت لعبور الغاز المتجه من روسيا إلى دول جنوب شرق آسيا، وذلك بعد توقيع أول اتفاقية اقتصادية دولية مع الحركة في 2022، حيث اتفق الطرفان على توريد النفط، والغاز، والقمح الروسي إلى أفغانستان.
كما تتزايد المصالح الاقتصادية الروسية لدى أفغانستان، في ظل ما تمتلكه الأخيرة من ثروات معدنية ضخمة، من الليثيوم، والحديد، والذهب، والنحاس، حيث ترغب روسيا في الاستفادة منها، في حين تعد أفغانستان فرصة كبيرة للاستثمارات الروسية في مرحلة إعادة الإعمار، حيث أبدت روسيا اهتماماً بمجموعة من مشروعات البنية التحتية في أفغانستان، لاسيما في مجال خطوط نقل الطاقة، مثل خط أنابيب الغاز "تركمانستان– أفغانستان– باكستان– الهند" وخط السكك الحديدية العابر للحدود الأفغانية الرابط مع أوزبكستان وباكستان، الذي ينتهي حالياً عند مزار شريف على الحدود الأوزبكية.
كما تمثل أفغانستان - التي تعاني من عقوبات غربية تُعطِّل نظامها المصرفي، وتجمد أصولها في الخارج - فرصة كبيرة لروسيا المفروض عليها عقوبات غربية أيضاً للانفتاح على مزيد من الدول لتخفيض الاعتماد على الدولار. وفي هذا السياق، تضع روسيا خطة طموحة لزيادة التجارة مع أفغانستان، وعلى الرغم من تضارب أرقام حجم التجارة بين روسيا وأفغانستان، نظراً للبيانات غير المتاحة بسهولة للجمارك الروسية، لاسيما مع أفغانستان التي تصل إليها السلع الروسية عبر الحدود مع أوزبكستان، فقد قدر المركز الروسي للأعمال في أفغانستان حجم التجارة بين روسيا وأفغانستان خلال عام 2023 بنحو مليار دولار أي ما يعادل أكثر من خمسة أضعاف ما كان عليه عام 2021 [2].
من هنا، يمكن القول إن مصالح روسيا لدى أفغانستان وبالتالى مستقبل العلاقات الروسية الأفغانية يظل مرهوناً بمدى قدرة حركة طالبان على الوفاء بطموحات روسيا أمنياً واقتصادياً، بعد أن بدأت الأخيرة في مساعدتها على مواجهة العزلة الدولية، وفتحت لدول أخرى الطريق للاعتراف بها، لاسيما وأن الطموحات الروسية تبدو صعبة التنفيذ في هذه المرحلة المعقدة من حكم طالبان التي ما زالت مكبلة من الناحية الاقتصادية بسبب العقوبات الأمريكية والغربية على أفغانستان، وتقليص الدول المانحة لحجم أموال المساعدات كوسيلة للضغط على الحركة، وهو ما يجعل الوضع الأمني هشاً بالتبعية، على نحو يمكن أن يؤدي إلى تعطيل خطط التعاون التي تسعى لها روسيا حالياً.