رحلة الدعوة النبوية بين مكة والمدينة.. 23 عامًا من التأسيس والتشريع

تطرق الشيخ رمضان عبدالمعز، الداعية الإسلامي المعروف، إلى حقبة تاريخية لا تُنسى في تاريخ الإسلام، حيث صنف سنوات الدعوة النبوية البالغة 23 عامًا إلى مرحلتين مميزتين؛ 13 سنة في مكة و10 سنوات في المدينة، مشيرًا إلى أن معظم التشريعات الدينية تم وضعها في المدينة مع استثناء واحد هو فرض الصلاة في مكة بعد مرور عشر سنوات على بدء الوحي.
غرس العقيدة في قلوب الصحابة
وتابع رمضان عبدالمعز: "خلال سنوات مكة، ركز النبي محمد صلى الله عليه وسلم على ترسيخ العقيدة وتوحيد الأفكار في قلوب أتباعه، فقد كانت فترة مليئة بالتحديات والابتلاءات، إذ واجه النبي وأصحابه معارضة شديدة من قريش، وفي هذه الفترة، كان الهدف الأساسي هو بناء الأساس المتين للإيمان والتوكل على الله".
واستشهد الشيخ رمضان عبدالمعز بحديث نبوي مع عبد الله بن عباس رضي الله عنه، حيث قال النبي: "يا غلام، إني أعلمك كلمات: إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله"، هذا الحديث الذي ترك أثره العميق في نفوس الصحابة عزز مفهوم الاعتماد الكامل على الله وأكد أن ما يصيب الإنسان هو بتقدير الله، وأن كل مكروه يحمل في طياته دروسًا وعبرًا تسهم في بناء الشخصية الإسلامية المتماسكة.
بناء مجتمع إسلامي
بعد ما قضاه النبي وأصحابه في مكة في ترسيخ أسس العقيدة والإيمان، بدأت رحلة جديدة في المدينة المنورة، حيث تم تبني منهجية شرعية متكاملة لبناء مجتمع إسلامي قائم على العدل والمساواة، خلال السنوات العشر التي قضاها النبي في المدينة، جاءت التشريعات التي نظمت الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمسلمين، وبهذا الشكل، تحولت الدعوة النبوية إلى حركة تنظيمية شاملة تضع قواعد السلوك والعلاقات المتبادلة على أسس إيمانية راسخة.
وأشار الشيخ عبدالمعز إلى أن هذه المرحلة لم تكن مجرد انتقال جغرافي، بل كانت انتقالًا في الفكر والممارسة الدينية؛ إذ أن ما بُنى في مكة من عقيدة صار الحجر الأساسي الذي انطلقت منه التشريعات في المدينة. فقد أكد قائلاً: "الأصل في سنوات مكة هو غرس العقيدة التي تُبنى عليها الأحكام والطاعات فيما بعد".
وتابع رمضان عبدالمعز: "هكذا أصبح واضحًا أن قوة وصمود الإسلام لم تكن نتيجة لفرضية قانونية بحتة، بل كانت نتاجًا لترسيخ المبادئ الدينية والوجدانية التي مستها معاني التوكل والصبر والثقة بإرادة الله".
دروس من الهجرة النبوية
ومن الجوانب الهامة التي تناولها الشيخ رمضان عبدالمعز كانت تجربة الهجرة النبوية، والتي تعتبر نموذجًا يحتذى به في الصبر والثبات في مواجهة الصعاب، إذ تروي قصة خروج النبي من مكة وهو محاط بأعداء ومهاجمين، إلا أنه خرج سالماً بفضل رعاية الله وحفظه، مع تركيز واضح على أن النصر الحقيقي يأتي بالصبر والتوكل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم مؤكدًا: "إن الله معنا"، في رسالة عميقة للصحابة بأن ثباتهم وإيمانهم هما السبيل لتجاوز المحن وتحقيق النصر.
يُبرز الشيخ رمضان عبدالمعز كيف أن المراحل المختلفة للدعوة النبوية كانت مترابطة؛ مرحلة مكة التي أرست القاعدة الفكرية والعقائدية، والتي كانت ضرورية قبل تطبيق الأحكام التشريعية في المدينة، فقد كان الهدف من سنوات مكة هو تكوين جيل متماسك يؤمن بأن كل أمر في الحياة مقدر من الله، ما يتيح له تجاوز العقبات والابتلاءات بثقة لا تتزعزع.
تطبيق الأحكام التشريعية
ركز رمضان عبدالمعز إن الحديث عن هذه الحقبة يجسد رؤية تاريخية متكاملة تربط بين الجانب الروحي والجانب العملي في الدعوة النبوية، حيث تُعتبر العقيدة الركيزة الأساسية التي انبثقت منها كل التشريعات والأنظمة التي تحكم حياة المسلمين حتى يومنا هذا.
في الختام، يُعتبر ما طرحه الشيخ رمضان عبدالمعز من رؤية شاملة لعهد النبوة درسًا خالدًا للمسلمين، إذ يُعلمهم أن الصبر والتوكل على الله هما المفتاحان للنصر والتقدم.

رؤية تاريخية متكاملة
كما أكد رمضان عبدالمعز أن تأسيس العقيدة الصحيحة يشكل الأساس لبناء مجتمع متماسك قادر على مواجهة تحديات الحياة بمختلف أشكالها، إن هذه الرؤية التاريخية تُقدم للعالم الإسلامي مثالًا يحتذى به في التوازن بين الإيمان والعمل، بين الحفاظ على المعتقدات وترسيخها وبين تطبيقها في حياة يومية تسودها العدالة والرحمة.