عاجل

قانون الأحوال الشخصية للأقباط: مسودة جديدة تقترب من الحل بعد سنوات الجدل

الكنائس
الكنائس

يعيش الشارع القبطي حالة من الترقب والجدل حول مشروع قانون الأحوال الشخصية الخاص بغير المسلمين، الذي لا يزال في طور المناقشة بين الكنائس الثلاث ووزارة العدل، وسط آمال كبيرة بتقديم صيغة نهائية تحقق العدالة وتلبي احتياجات آلاف الأسر، لكنها تواجه في الوقت ذاته تحديات وعقبات تتعلق بتوافق العقيدة مع متطلبات العصر.

أمل جديد.. وصياغة متقدمة لمسودة القانون

ذكرت مصادر كنسية لـ"نيوز رووم" أن العام الحالي شهد تقدمًا ملموسًا في صياغة مسودة موحدة لقانون الأحوال الشخصية، حيث تم الاتفاق على أكثر من 90% من البنود بين ممثلي الكنائس الأرثوذكسية، الإنجيلية، الكاثوليكية، الروم الأرثوذكس، والأسقفية، بالتعاون مع وزارة العدل. ورغم ذلك، لا تزال هناك تحفظات حول بعض المواد المتعلقة بالطلاق وإعادة الزواج، خاصة في الكنيسة الأرثوذكسية.

ويأتي هذا المشروع الجديد مستندًا إلى "المرجعية الدينية" لكل طائفة، ما يعده البعض خطوة إيجابية تحترم خصوصية كل عقيدة، في حين يرى آخرون أن ذلك قد يكرس نوعًا من التمييز القانوني بين المواطنين على أساس ديني.

قضايا الطلاق وإعادة الزواج: الجرح المفتوح

تظل قضايا الطلاق وإعادة الزواج الأكثر تعقيدًا وجدلاً في القانون الجديد. فوفقًا للعقيدة الأرثوذكسية، الزواج "سر مقدس" لا يُحل إلا بالموت أو لأسباب محددة كحالة الزنا أو تغيير الدين، مما يعرقل حق الكثيرين في طلب الطلاق لأسباب اجتماعية وإنسانية.

ويُسمح في القانون المقترح بـ"التطليق المدني" للطوائف غير الأرثوذكسية، لكن تطبيق هذا النص وفعاليته لا تزال موضوع جدل، خاصة مع غياب محاكم كنسية متخصصة وآليات تنفيذ واضحة. في حين تشير الأرقام إلى وجود عشرات الآلاف من قضايا الطلاق المعلقة في المحاكم، مما يعكس حجم المعاناة التي يمر بها الأقباط في انتظار حل قانوني.

الزواج الثاني.. صراع بين الدين والواقع

يُعد الزواج الثاني أحد المواضيع التي لم تُحسم بعد، حيث تسمح الكنائس الإنجيلية والكاثوليكية بإعادة الزواج في حالات معينة، بينما تشترط الكنيسة الأرثوذكسية وجود حكم بالزنا كسبب وحيد لذلك.

يحاول مشروع القانون الجديد تجاوز هذا التعقيد عبر اعتماد مبدأ "الاختيار الطوعي للعقيدة" كأساس للحكم في قضايا الأحوال الشخصية، مع التأكيد على احترام العقيدة الشخصية المُعلنة.

التبني، النفقة، وحضانة الأطفال.. نحو توافق نسبي

شهد مشروع القانون تفاهمات أكبر في قضايا التبني والنفقة وحضانة الأطفال، حيث تختلف مواقف الكنائس بشأن التبني، فبعضها يرى فيه ضرورة اجتماعية وإنسانية، فيما يفضل آخرون نظام الكفالة طبقًا لتقاليدهم.

أما بالنسبة للنفقة والحضانة، فقد تم التوافق على قواعد موحدة، مع تأكيد مصلحة الطفل كالمعيار الأعلى، وهو ما حظي بترحيب من الجمعيات الحقوقية المختصة.

دور الدولة.. بين الحياد والدعم

شهد العام الحالي مشاركة فاعلة من وزارة العدل، التي حرصت على دفع الحوار بين الكنائس وتهيئة الأجواء لإصدار قانون موحد يحظى بإجماع نسبي، ويحافظ على توازن بين العدالة والخصوصيات الدينية، دون أن يتعارض مع الدستور المصري.

وأكد مسؤولون بالوزارة أن الهدف هو تحقيق قانون يحترم حرية المعتقد والمساواة بين المواطنين، ويضمن تطبيقه أمام المحاكم بسهولة ويسر.

آراء المجتمع القبطي.. بين التفاؤل والتحفظ

يختلف الموقف الشعبي داخل المجتمع القبطي، حيث يراه البعض فرصة لإنهاء معاناة سنوات طويلة من التأجيل والمعاناة القانونية، خاصة لمن حُرموا من حقوقهم مثل الزواج بعد الطلاق.

في المقابل، يعرب آخرون عن مخاوفهم من أن يؤدي القانون إلى مزيد من الانقسامات أو قد يعزز القيود العقائدية، مشيرين إلى تجارب سابقة لم تلبِ تطلعات الناس.

ضرورة سياسية وإنسانية

يبقى قانون الأحوال الشخصية للأقباط ضرورة ملحة، لا تقتصر على تنظيم القضايا الأسرية فحسب، بل تعكس أيضًا التزام الدولة بمبادئ المواطنة الكاملة والمساواة أمام القانون. وهو بمثابة خطوة مهمة نحو العدالة الاجتماعية والدينية، ورسالة واضحة بأن الوطن يستوعب الجميع دون تمييز أو إقصاء.

تم نسخ الرابط