ما المراد بقوله تعالى ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ ؟ الإفتاء توضح

أوضحت دار الإفتاء المصرية أن الشرع الحنيف إلى أهمية إظهار نعم الله تعالى على العبد، لما في ذلك من الاعتراف بالفضل الإلهي، والتعبير العملي عن الشكر، والامتنان لما أنعم الله به. قال الله تعالى في سورة الضحى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: 11]، وهو توجيه كريم إلى إظهار آثار النعمة لا كِبرًا ولا تفاخرًا، وإنما شكرًا واستحضارًا لفضل الله.
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا المعنى بجلاء فيما رواه الإمام أحمد والترمذي وحسنه، والبيهقي في “السنن الكبرى” و”شعب الإيمان”، عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً، فَإِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُرَى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ».
وأوضح هذا المعنى الإمام الصنعاني في “التحبير” () بقوله: إن الله يحب أن يُظهر العبد آثار النعمة عليه، ويشكره عليها، ويجعلها وسيلة لطاعته وبلوغ مرضاته، لا أن يزهد فيها أو يُعرض عن أسبابها، فإن الشكر العملي نعمة في حد ذاته.
وأشار الإمام الشوكاني في “نيل الأوطار” (8/258) إلى أن إظهار النعمة مما يحبه الله سبحانه، وأن الأمر الإلهي في قوله تعالى: ﴿فَحَدِّثْ﴾ يحمل دلالة على الاستحباب على أقل تقدير، وهو من الأمور المحبوبة لله تعالى، شريطة أن يكون هذا الإظهار خاليًا من الرياء أو العجب أو التفاخر، بل يكون مقصد صاحبه الاعتراف بفضل الله والتحدث بآلائه.
وبناءً على ذلك، فإن مَن مَنَّ الله عليه بنعمة ظاهرة أو باطنة، فالمطلوب منه أن يُظهرها على وجه يدل على شكر المُنعم، لا على الزهو أو الكبر، وذلك من تمام الأدب مع الله تعالى، ومظهر من مظاهر الإيمان بحسن تدبيره وكرمه
كيف يكون شكر النعمة :
شكر النعمة هو الاعتراف بفضل الله تعالى على عبده، ويكون ذلك بثلاثة أركان رئيسية: بالقلب، وباللسان، وبالجوارح. وكل ركن من هذه الأركان له دوره في تحقيق الشكر الكامل:
1. شكر القلب وهو الأساس، ويعني:
• الاعتراف الداخلي بأن النعمة من عند الله وحده، لا بحول العبد ولا قوته.
• استحضار فضل الله ومنته، والشعور بالامتنان له.
قال تعالى:
﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النحل: 53]
2. شكر اللسان ويكون:
• بالثناء على الله وحمده على نعمه، والدعاء له بالحفظ والبركة.
• قول “الحمد لله” عند كل نعمة، صغيرة كانت أو كبيرة.
• ذكر النعمة بالخير دون رياء أو تفاخر، لقوله تعالى:
﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: 11]
3. شكر الجوارح (العمل) وهو أعظم مراتب الشكر، ويكون:
• باستخدام النعمة في طاعة الله، لا في معصيته.
فمن أُعطي مالًا فأنفقه في الخير، أو عافية فقام بها إلى الطاعات، فقد شكر النعمة.
• بمساعدة الآخرين بما أعطاك الله.
• بالحفاظ على النعمة وصيانتها عن الزوال، والسعي في تنميتها بما يرضي الله.
قال تعالى عن آل داود:
﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾ [سبأ: 13]
أي اجعلوا أعمالكم شكرًا لله.
• ترك الشكر سبب لزوال النعمة، كما قال الله تعالى:
﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7