عاجل

ما حكم قضاء صيام يوم عاشوراء؟ دار الإفتاء توضح الحكم

الصيام
الصيام

ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية عن حكم قضاء صيام يوم عاشوراء ؟ وأوضحت الدار صيام يوم عاشوراء مستحب شرعًا، وهو مِن النفل الراتب الذي يُشرَع قضاؤه، ويستحب للرجل للمعتاد على صيامه الذي فاته صيام هذا اليوم بسببِ عارِضِ ما أن يقضيه طلبًا للأجر والمثوبة.

فضل يوم عاشوراء


اختصَّ الله تبارك وتعالى بَعضَ أيامِ العام بمزيدٍ من النفحات والبركات، وإجزال المثوبة والعطاء على الإحسان والطاعات، ومن تلك الأيام المباركات يوم عاشوراء، وهو اليوم العاشر مِن شهر الله المُحرَّم؛ لاختصاصه بأن نَجَّى اللهُ فيه سيدَنا موسى عليه السلام ومَن مَعَهُ مِن بطش عدُوِّهم، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ۝ وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ [الصافات: 114- 115].

وقد سنَّ لنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صيام هذا اليوم، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قَدِمَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينةَ، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: «مَا هَذَا؟»، قالوا: هذا يومٌ صالح، هذا يومٌ نجَّى اللهُ بَنِي إسرائيل من عدُوِّهم، فصامه موسى، قال: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنكُم»، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. متفق عليه.

حكم قضاء صيام يوم عاشوراء


لصيام ذلك اليوم عظيم الأجر، والمغفرة للذنوب، فمن اعتاد صيامه كلَّ عامٍ حرصًا على تحصيل الأجر والفضل، واتباعًا لسُنة سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد ظفر بالأجر والغفران، فعن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ أَحتَسِبُ عَلَى اللهِ أَن يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعدَهُ، وَصِيَامُ يَومِ عَاشُورَاءَ أَحتَسِبُ عَلَى اللهِ أَن يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبلَهُ» أخرجه الإمام مسلم.

فإن فاته صومه -سواء كان هذا الفوت لعذرٍ مِن مرضٍ أو سفرٍ أو غير ذلك أو لغير عذر، وسواء كانت له عادة في صوم ذلك اليوم ولم يمنعه عنها إلا العذر أو لم يكن كذلك- فقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنه يستحب له في تلك الحالة أن يقضي هذا الصوم، وهو المختار للفتوى؛ لأنه صوم نافلة راتب، وقضاء النوافل الرواتب وردت به السُّنة عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فمن ذلك قضاؤه صلى الله عليه وآله وسلم سُنةَ الفجر لَمَّا حبسه النوم ومَن معه عن أدائها حتى طلعت الشمس، في حديث رواه أبو قتادة رضي الله عنه، وفي هذا الحديث: فَمَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الطَّرِيقِ، فَوَضَعَ رَأسَهُ، ثُمَّ قَالَ: «احفَظُوا عَلَينَا صَلَاتَنَا»، فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ استَيقَظَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَالشَّمسُ فِي ظَهرِهِ، قَالَ: فَقُمنَا فَزِعِينَ، إلى أن قال: "ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَكعَتَينِ، ثُمَّ صَلَّى الغَدَاةَ، فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصنَعُ كُلَّ يَومٍ. أخرجه الإمام مسلم.

قال الإمام النووي في "شرح صحيح الإمام مسلم" : [وفيه: قضاء السُّنة الراتبة؛ لأن الظاهر أن هاتين الركعتين اللتين قبل الغداة هما سُنة الصبح] .

ومنه قضاؤه صلى الله عليه وآله وسلم اعتكاف العام الذي أراد نساؤه أمهات المؤمنين رضي الله عنهن الاعتكافَ معه فيه، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: فَلَمَّا انصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنَ الغَدَاةِ أَبصَرَ أَربَعَ قِبَابٍ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟»، فَأُخبِرَ خَبَرَهُنَّ، فَقَالَ: «مَا حَمَلَهُنَّ عَلَى هَذَا؟ آلبِرُّ؟ انْزِعُوهَا فَلَا أَرَاهَا»، فَنُزِعَت، فَلَم يَعْتَكِف فِي رمَضَانَ حَتَّى اعتَكَفَ فِي آخِرِ العَشرِ مِن شَوَّالٍ. أخرجه الإمام البخاري.

قال الإمام الحافظ ابن حَجَر العَسقَلَانِي في "فتح الباري" : [في اعتكافه في شوال دليلٌ على أنَّ النوافل المعتادة إذا فاتت تقضى استحبابًا] .

واستحباب قضاء السُّنن -كصوم عاشوراء- هو ما نصَّ عليه فقهاء الشافعية في الأوجَه وهو المفتى به عندهم، والحنابلة.

قال شيخ الإسلام ابن حَجَر الهَيتَمِي الشافعي في "تحفة المحتاج" مع "حاشية الإمام الشَّروَانِي" : [(ولو فات النفل المؤقت) كالعيد، والضحى، والرواتب (ندب قضاؤه) أبدًا (في الأظهَر)] .

قال الإمام الشَّروَانِي محشِّيًا عليه: [قال (ع ش): انظر هل يقضي النفل من الصوم أيضًا إذا فاته كيوم الإثنين ويوم عاشوراء؟ فيه نظر، وينبغي أن يُندب القضاء؛ أخذًا مما هُنا، ثم رأيتُ في (سم) على شرح البهجة ما نصُّه: وفي "فتاوى الشارح" أنه إذا فاته صوم مؤقت أو اتخذه وِردًا سُنَّ له قضاؤه انتهى. وهو يفيد سَنَّ قضاء نحو الخميس والإثنين وست شوال إذا فات ذلك] اهـ. ورمز بـ(ع ش) للشيخ نور الدين بن علي الشَّبرَامَلِّسِي، و(سم) للشيخ ابن قاسم العَبَّادِي.

وقال الإمام شمس الدين الرَّملِي الشافعي في "نهاية المحتاج"  موجهًا القول باستحباب قضاء صوم النافلة الفائتة: [مَن فاته وله عادةٌ بصيامه كالإثنين فلا يُسن له قضاؤه؛ لفقد العلة المذكورة على ما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى، لكنه مُعارَض بما مرَّ من إفتائه بقضاء ستٍّ مِن القعدة عن ستٍّ مِن شوال، معلِّلًا له بأنه يستحب قضاء الصوم الراتب، وهذا هو الأوجَه] اهـ. وهو عامٌّ في كلٍّ صومٍ راتبٍ، ومن ذلك قضاء صوم عاشوراء.

وقال الإمام برهان الدين بن مُفلحٍ الحنبلي في "المبدع" : [ومن فاته شيءٌ من هذه السُّنن سُنَّ له قضاؤه] اهـ. وهو وإن كان في معرِض الكلام على سُنن الصلوات الراتبة، إلا أنه عامٌّ في كل سُنة ونافلة؛ حيث لم ينصوا على تخصيصه، إضافةً إلى ما تقدَّم ذكره في السُّنة النبوية المُشرَّفة من فِعل الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

تم نسخ الرابط