في أزقة دمياط القديمة.. عم مصطفى يروي قصة عشق لمهنة دهان الموبيليا

في أزقة مدينة دمياط العتيقة، حيث تتداخل أصوات الصنفرة مع رائحة الورنيش، التقينا بالمعلم مصطفى، أحد أقدم الحرفيين في مهنة دهان الموبيليا، الذي أفنى أكثر من 16 عامًا بين الأخشاب والدهانات، محافظًا على إرث حِرفي توارثته الأجيال.
يقول عم مصطفى وهو جالس على مقعده الخشبي المتهالك: "دخلت المهنة وأنا عندي 18 سنة، ومن وقتها وأنا في الورشة، المهنة دي بالنسبة لي حياة مش بس شغل". ويضيف أن تعلّم الحرفة كان تقليديًا: "كنت تلميذ في ورشة عمي، تظل تتابع الصنايعي وتساعده لحد ما تفهم وتتقن".
تحفة فنية
يمر دهان الموبيليا عنده بعدة مراحل دقيقة تبدأ بالصنفرة، ثم المعجون، ثم الطبقات الأساسية، وأخيرًا الورنيش أو "اللكر"، مؤكداً أن كل خطوة تتطلب مهارة وتركيزًا خاصًا، لأن قطعة الموبيليا قد تتحول في النهاية إلى تحفة فنية.
ويشير إلى شهرة دمياط بصناعة الأثاث: "دمياط مشهورة بالأثاث من أيام جدودنا، والناس بتيجي من كل المحافظات عشان تشتري عفش من هنا، لأن الجودة مش موجودة في أي مكان تاني".
وعن تطور الصناعة، يوضح عم مصطفى أن التكنولوجيا دخلت بعض الورش مؤخراً، مثل استخدام البخاخات الضغطة والدهانات الحديثة، لكنه يؤكد أن الطابع اليدوي مازال هو المسيطر في الورش الصغيرة.
التحديات والصعوبات
وعلى الرغم من حبه الشديد للحرفة، يعترف عم مصطفى بالصعوبات التي تواجهه: "الشغل تعب ومجهود كبير، والمواد بتأثر على الصحة خصوصًا لو الورشة مش مهواة كويس. كمان الزبون دلوقتي عايز الشغل يتسلم بسرعة وجودة عالية، وده بيزود الضغط علينا".
ويضيف أن تقلب أسعار المواد الخام من البويات والمعاجين يشكل عبئًا كبيرًا: "كل شوية الأسعار بتغلى، ومبقاش في تسعيرة ثابتة، وبرغم ده بنحاول نراعي الزبون".
هل المهنة مهددة بالاندثار؟
عن مستقبل المهنة، يجيب بحزن: "الجيل الجديد مش كله صبور يتعلم صنعة، عايزين المكسب السريع. وفي ورش كتير قفلت أو تحول أصحابها لمهن تانية. بس لسه في ناس بتحب المهنة وبتتمسك بيها".
ويأمل أن تولي الدولة والقطاع اهتمامًا أكبر بالتدريب المهني: "لو اتعملت مناهج تدريبية صح، واتعلم الشباب على أصول الشغل، المهنة عمرها ما هتندثر".


رسالة إلى الشباب
في ختام حديثه، وجه عم مصطفى رسالة قوية: "الشغل مش عيب، وأي مهنة فيها بركة لما الواحد يتقنها. أنا بعتز إني صنايعي وبحب لما أشوف شغلي في بيت عريس أو عروسة. ده إحساس ملوش تمن".
بين بساطة ورشته وأسرار الحرفة، يظل عم مصطفى رمزًا للحرفية الدمياطية الأصيلة، التي تظل حية في كل بيت مصري، تحكي قصة صبر وإبداع وأمل في استمرار الموروث التقليدي وسط تحديات العصر.