عاجل

بعد أزمة مها الصغير.. حكم سرقة الأعمال الفنية ونسبها للغير|الاعتذار يكفي؟

دار الإفتاء
دار الإفتاء

يتسأل الكثيرون بعد أزمة مها الصغير ونسبتها أعمال فنية تخص آخرين، وسبقتها إليها غادة والي، هل سرقة العمل الفني والاعتذار عنه كافٍ شرعًا؟ 

بعد أزمة مها الصغير.. ما حكم السرقات الفنية؟ 

تقول دار الإفتاء، إن سرقة الأفكار والإبداع في جميع مجالاته الأدبية والعلمية والفنية أمرٌ تحرّمه الشريعة الإسلامية وتأباه؛ لأن فيه اعتداءً على حقوق الآخرين وضررًا لهم.

وتابعت: قد منع الإسلام الضرر؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ ولَا ضِرَار» رواه أحمد وابن ماجه؛ ولقوله أيضًا: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» رواه البخاري.

ولفتت أن من يقوم بهذه السرقة فإنه يخضع لعقوبة التعزير حسب ما يقرره القاضي وحسب الحال والمقام، ولا يخضع للعقوبة الحدِّية وهي قطع اليد؛ لأنها تدرأ بالشبهات، وسرقة الحقوق المعنوية كالأفكار والإبداع وغير ذلك لا تخلو من شبهة، وقد تتعلق بصعوبة الإثبات؛ إذ قد يتوافق الفكر والإبداع لدى أكثر من شخصٍ ويصعب تحديد صاحب الفكر أو الإبداع، ولذلك فإن عقوبة التعزير هي التي توقع في مثل هذه الحالات.

العلة من تحريم السرقة ومقدار عقوبتها

وبينت أن العلة في تحريم السرقة أنها تمثل انتهاكًا واعتداءً على ملكية الآخرين وحقوقهم، وفي ذلك ضررٌ على المجتمع وانتشار للفساد فيه فلو لم يأمن الناس على كسبهم وثمرة أعمالهم فإنهم لن يعملوا، وبذلك تتعطل التنمية في المجتمع، ومن هنا شدد الإسلام عقوبة السرقة وجعلها قطع يد السارق حتى يرتدع كل من تسول له نفسه أن يتعدى على حقوق وأموال الآخرين، وفي المقابل حث المسلم على العمل والكسب الحلال الطيب حتى يقبل الله تعالى أعماله وحتى لا يخضع لعقاب الله وعذابه يوم القيامة، فقد قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «أَيُّمَا لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ حَرَامٍ، فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» رواه البيهقي.

هل اعتذار مها الصغير كافٍ؟ 

من جانبه، قال الدكتور هشام ربيع أمين الفتوى بدار الإفتاء، إن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ علَى أخِيكُمْ)، يُبَيِّن فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ المخطئ لو تَابَ باعترافه بالخطأ فإنَّ التوبة تُزيل آثار فِعْلته ويعود فردًا صالحًا للمجتمع مرة أخرى.

وأوضح أن المنهج المحمدي يقول: بعد الاعتذار لا تقريع مَن فَعَل ما يستوجب الذَّم واللوم، كما أن المنهج المحمدي شعاره: "وأَتْبِعِ السَّيِّئةَ الحسَنةَ تَمْحُهَا"، وتمحها دائمًا من سجلات التعامل وأرشيف عقول الناس، رِفْقًا بأصحاب المروءات ممن ذَلَّ أو عَصَى... فمَنْ ذا الذي لا يُخْطِئ قط!

خطوة أولى نحو الإصلاح

يقول الشيخ مظهر شاهين إمام وخطيب مسجد عمر مكرم، تعقيبا على أزمة مها الصغير:  «أخطأت حين نسبت إلى نفسها جهدًا ليس من صُنعها، وظهرت أمام الناس بما لا يُمثّل أمانة، ولا اجتهادًا حقيقيًّا».

وتابع:  «كان خطؤها مسًّا واضحًا بثقة الناس، واعتداءً على حقوق فكرية ينبغي أن تُصان. لكنها – في المقابل – لم تُنكر، ولم تُكابر، بل بادرت بالاعتذار علنًا، وأقرّت بخطئها، وطلبت الصفح. وإن كان الاعتذار لا يمحو الخطأ، فهو خطوة أولى نحو الإصلاح، متى اقترن بالصدق، وتبعه التزام بعدم التكرار».

وأردف:  «الاعتذار، حين يصدر بهذه الصورة، يجب أن يُقابل بالعفو والقبول، لا تهاونًا، بل ارتقاءً. فقد علّمنا الإسلام أن العفو فضيلة لا يُقدِم عليها إلا الأقوياء، وأن الاعتراف بالذنب هو بداية التوبة والارتقاء. قال الله تعالى: “فمن عفا وأصلح فأجره على الله”، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا”

وأكمل:  «من هذا المنطلق، فإننا نقبل الاعتذار، وندعو إلى تجاوزه، إيمانًا بأن المجتمع الراقي لا يُقصي من يعترف بخطئه، ولا يُغلق أبواب العودة في وجه من صدقت نيته وأصلح ما فات».

نصيحة لـ مها الصغير 

ووجه حديثه لـ مها الصغير قائلا: «لمن أخطأت ثم اعتذرت، نقول: لقد قبلنا اعتذارك، وسامحناك، لا لأن ما حدث يسير، بل لأننا نؤمن بأن التراجع عن الخطأ فضيلة، وبأن المسامحة إذا صادفت صدقًا، كانت بداية لصفحة أنقى. لكننا نرجو – بل نُصرّ – ألا يتكرر هذا الخطأ. فالثقة لا تُمنح مرتين بسهولة، والاعتذار ليس نهاية الحساب، بل بدايته. فاحرصي على أن يكون القادم أصدق من الماضي، وأن يكون جهدك خالصًا لا منقولًا، ونتاجك أصيلًا لا منسوبًا لغيرك».

وتابع: احترمي عقول الناس، ولا تستخفي بقيمة الكلمة، ولا تزيّني حضورًا لا يقوم على الحق. فالنجاح المبني على الزيف ينهار سريعًا، أما النجاح القائم على الصدق والجهد، فيصمد، ويثمر، ويُحترم.

واختتم:  «سامحوها… وانصحوها، فلعلّ ما كان – بما فيه من ألم وانكشاف – يكون بداية لمسار أكثر وعيًا ونضجًا، مسار تُصان فيه الحقوق، وتُحترم فيه الكلمة، ويُعاد فيه بناء الثقة على أسس من الصدق، والأمانة، والاحترام».

تم نسخ الرابط