عاجل

المصري للدراسات يكشف انعكاسات عدم انخراط حزب الله في حرب إيران وإسرائيل

حزب الله
حزب الله

اكتفى حزب الله في مواقفه من التصعيد الإسرائيلي الإيراني الذي اندلع مع الهجوم الإسرائيلي على إيران يوم 13 يونيو 2025 وانتهى باتفاق وقف إطلاق النار في 24 يونيو 2025 بالمواقف الخطابية التي حملت دعمًا لفظيًا -محدودًا إذا ما قورن بمواقف سابقة- لإيران، دون أن يتدخل في المعركة لإسناد إيران في هذه المواجهة، على الرغم من حجم الخسائر التي تعرضت لها إيران، سواء على المستوى البشري باغتيال عدد من قيادات القوات المسلحة والحرس الثوري، أو على مستوى البرنامج النووي باستهداف الولايات المتحدة وإسرائيل لثلاث منشآت نووية هي فوردو ونطنز وأصفهان. الأمر الذي يكشف عن دلالات واسعة تتعلق بحزب الله وموقعه في معادلة التصعيد من جانب، وانعكاسات محتملة ستترتب على الحزب في لبنان من جانب آخر.

دلالات وانعكاسات عدم انخراط حزب الله في حرب إسرائيل وإيران

دلالات كاشفة

ووفقًا للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أكد الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم أن حزب الله ليس محايدًا في الصراع بين إسرائيل وإيران، ويدعم إيران ويقف إلى جانبها. ولكن في المقابل، لم يعلن قاسم عن أي نية للحزب في الانخراط في الإسناد العسكري لإيران في هذا الصراع، وهو ما يكشف عن مجموعة من الدلالات المهمة، ومن أبرزها ما يلي:

التراجع البنيوي: يواجه حزب الله في الوقت الحالي حالة ما يمكن تسميتها بالتراجع البنيوي، كإحدى النتائج المباشرة للمواجهة مع إسرائيل بعد عملية طوفان الأقصى، وخاصة تلك المواجهة التي كانت في الفترة من 17 سبتمبر إلى 26 نوفمبر 2024. إذ يواجه حزب الله تراجعًا واضحًا في بنيته القيادية والعسكرية والمالية والسياسية. حجم الدمار الذي سببته إسرائيل خلال هذه المواجهة لم يستطع الحزب حتى الآن تجاوزه، على الصعيد القيادي باغتيال أمينيه العامين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين وأغلب أعضاء مجلس الجهاد، وبإجمالي عدد قيادات -حسب تقديرات إسرائيلية– نحو 176 قياديًا.

وكذا على الصعيد اللوجستي بقطع طرق الإمداد المالي والعسكري للحزب وخاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا وتشديد السيطرة على مطار رفيق الحريري. وعلى الصعيد العسكري باستهداف جزء كبير من ترسانته العسكرية وتدمير أكثر منصاته لإطلاق الصواريخ، وحتى على صعيد المقاتلين سواء خلال المواجهات والضربات المباشرة أو في عملية تفجير أجهزة النداء الآلي التي أضرت بعمق بمنظومة القيادة والسيطرة للحزب، أو على الصعيد المالي باستهداف بنية الحزب المالية مثل مؤسسة القرض الحسن أو مكاتب الصرافة وشركات تحويل الأموال إليه. 

ويضاف كل ذلك إلى عامل مهم في التراجع الحالي لحزب الله وهو القيادة اللبنانية الجديدة المتمثلة في الرئيس جوزيف عون ورئيس الوزراء نواف سلام واللذين يدفعان -بضغط دولي واسع- باتجاه بنزع سلاح حزب الله وحصر السلاح بيد الدولة.

ومن الواضح أن هذا التراجع قد انعكس جليًا في موقف حزب الله من المواجهة بين إسرائيل وإيران؛ إذ أن الفراغ الذي خلّفه مقتل حسن نصر الله على وجه الخصوص يجعل من الصعب للغاية على الحزب أن يضطلع بالدور الذي كان يقوم به قبل ذلك، علاوة على إدراك الحزب أن دخوله في هذه المعركة يرتب مزيدًا من الخسائر التدميرية لكافة مقدراته ويعيق الجهود المبذولة لإعادة البناء والتأهيل لمختلف القدرات، لا سيّما وأن المواجهة المباشرة قد أثبتت أن الحزب يعاني حالة انكشاف واضحة على كافة المستويات تفوق بكثير حالة الانكشاف لدى إيران التي أظهرتها الضربات الإسرائيلية في 13 يونيو. 

وهو السبب ذاته الذي جعل الحزب يحجم عن الرد على كافة الانتهاكات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار منذ توقيعه وحتى الآن والتي بلغت أكثر من 3700 انتهاك حسب إحصاءات حزب الله، والاستهدافات المتكررة لبنية الحزب العسكرية والتمويلية وآليات دعمه عملياتيًا ولوجستيًا، حتى في أثناء المواجهة بين إسرائيل وإيران مثل استهداف منصات إطلاق صواريخ ومنشآت لتخزين الأسلحة في 20 يونيو أو بعده مثل هجوم 27 يونيو الذي استهدف –حسب جيش الاحتلال– موقعًا كان جزءًا من مشروع كبير للبنية التحتية تحت الأرض للحزب دُمّر في أثناء الحرب ولكنه أصبح محور جهود إعادة التأهيل. 

أولوية الداخل: أظهرت مقاربة حزب الله في التعامل مع المواجهة بين إسرائيل وإيران حرصًا كبيرًا من جانب الحزب على إيلاء الاهتمام بالمعادلة الداخلية في لبنان وما ترتبه من ضغوط عملياتية كبيرة عليه، والسعي إلى عدم تجاوز محددات الموقف اللبناني إزاء هذه المواجهة. وهي المقاربة التي عبر عنها الأمين العام نعيم قاسم بشكل واضح بتصريحه بأن قرار خوض الحرب بات اليوم مرتبطًا بقرار الدولة اللبنانية. وتعكس هذه المقاربة استجابة حزب الله لكافة المتغيرات التي طرأت على معادلة قراره العسكري وخاصة ما يتعلق بتراجعه البنيوي وتكيفًا من جانبه مع كافة الضغوط الواقعة عليه من جانب الدولة اللبنانية ومن جانب القوى الدولية. 

وهي مقاربة ترمي إلى هدف أساسي هو محاولة حزب الله إعادة التأكيد على لبنانية سلاحه حصرًا، لا سيّما وأن انخراطه في هذه المواجهة في الوقت الذي لم يرد فيه على الضربات الإسرائيلية الموجعة له منذ اتفاق وقف إطلاق النار سترسخ مبدأ أن سلاح الحزب هو لخدمة استراتيجية إيران ومصالحها وليس لبنان، وهو ما قد يسهم في تفكيك قواعد الحزب الشعبية ويعمق من تأليب الشعب اللبناني على حزب الله وسلاحه في ضوء الخسائر الكبيرة للبنان على المستويات كافة من جراء المواجهة بين الحزب وإسرائيل، والخسائر الكبيرة أيضًا التي كانت ستلحق بلبنان إذا انضم حزب الله إلى المواجهة بين إسرائيل وإيران، لا سيّما وأن استطلاعات رأي وجدت أن 70% من اللبنانيين ينظرون إلى حزب الله نظرة سلبية، فضلًا عن تقارير أشارت إلى أن حزب الله أوقف دفع التعويضات إلى المتضررين من الحرب مع إسرائيل عبر مؤسسة القرض الحسن اعتبارًا من 23 يونيو.

الالتزام بالضرورة القصوى: على الرغم من أن حزب الله لم يقدم الدعم العسكري المفترض لإيران في مواجهتها مع إسرائيل وفق استراتيجية إيران بالاعتماد على الوكلاء -وأهمهم تقليديًا حزب الله- كأدوات للدفاع المتقدم والدعم متعدد الأوجه بما يعزز من قدرتها على مواجهة أي تحدي؛ فإن موقف الحزب على هذا النحو لا يعد إخلالًا بجوهر هذه الاستراتيجية، فقد أكد الحزب في مواقفه من هذه المواجهة على عدة محددات أساسية ومتكررة، من بينها أن إيران قادرة على الدفاع عن نفسها والرد على الاعتداءات الإسرائيلية، وأن التدخل العسكري المباشر للولايات المتحدة في الحرب سيغير سياق المواجهة، وأن التهديد باغتيال المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي يعكس جهلًا بمكانته وستكون له عواقب وخيمة. 

ويمكن من مجمل هذه المحددات استنباط أن مسألة التدخل العسكري لحزب الله في المواجهة ارتبطت بمعادلة ما يمكن تسميته الخطوط الحمراء أو الضرورة القصوى الدافعة إلى التدخل، وهي في هذا الإطار تتعلق بأحد أمرين أساسيين متشابكين إلى حد كبير؛ الأول: اغتيال المرشد علي خامنئي باعتباره رمزًا للثورة والأيديولوجية التي ينتمي إليها حزب الله.

أما الأمر الثاني: فهو تعرض النظام الإيراني إلى خطر وجودي يدفع بإسقاطه أو انهياره، بما يمس جوهر الأيديولوجية التي قام عليها حزب الله والتي يعبر عنها الحزب في وثيقته التأسيسية بالقول: “إننا أبناء أمة حزب الله التي نصر الله طليعتها في إيران وأسست من جديد نواة دولة الإسلام المركزة في العالم.. نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة وعادلة تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائط”. ومن ثم، فإن عدم انخراط حزب الله في الحرب جاء نتيجة عدم وقوع الضرورة القصوى التي كان من شأنها تحويل المعركة بالنسبة للحزب إلى حرب وجود، لا سيّما وأن انهيار النظام الإيراني يؤثر بالتبعية في وجود كل وكلاء إيران والجماعات الموالية لها.

الانعكاسات المحتملة

محدودية الخيارات بشأن نزع السلاح: تتكثف جهود الدولة اللبنانية لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل الموقع في 26 نوفمبر 2024 ويتخذ من قرار مجلس الأمن رقم 1701 قاعدة له وينص على تفكيك كل المنشآت العسكرية غير المرخصة والمعنية بصناعة السلاح في لبنان، ومصادرة جميع الأسلحة غير المرخصة بدءًا من منطقة جنوب الليطاني. 

وقد بدأ الجيش اللبناني بالفعل مهمته بموجب الاتفاق في السيطرة على بعض المواقع في جنوب لبنان ومصادرة أسلحة خاصة بحزب الله في هذه المنطقة. ولكن في المقابل، يرفض حزب الله حتى الآن تسليم سلاحه، ويربط أي خطوات في هذا الأمر بتنفيذ ما يتعلق بإسرائيل في اتفاق وقف إطلاق النار وخاصة الانسحاب من جنوب لبنان في ضوء تمسكها بخمس نقاط لا تزال تتمركز فيها بخلاف ما نص عليه الاتفاق. 

ويلاحظ أن تعامل القيادة اللبنانية مع هذا الملف يتسم بالهدوء والتأكيد على أن الأمر يجب أن يكون تدريجيًا مع الإبقاء على الوجود السياسي لحزب الله والذي ظهر في تمثيله في الحكومة وكذا تعيين وزير الأشغال السابق المنتمي إلى الحزب “علي حمية” مستشارًا للرئيس لشئون الإعمار؛ إدراكًا لطبيعة قوة حزب الله في لبنان وطبيعة مسألة نزع سلاح الحزب وتأثيراتها في الداخل اللبناني وأن اتباع نهج القوة في هذا الأمر قد يفضي إلى مواجهة لبنانية – لبنانية.

وعلى الرغم من ذلك فإن الواقع الحالي لحزب الله وخاصة في ضوء الدلالات الواسعة التي كشفها عدم انخراطه في مواجهة إسرائيل وإيران وتكيفه مع المواقف الرسمية للبنان من المواجهة والصعوبات التي تواجه عملية إعادة بنائه وتأهيله في ضوء تراجع إيران والضغط الدولي والضغط العسكري الإسرائيلي ومحاصرة كافة منافذ الإمداد للحزب، يجعل الخيارات المتاحة أمام الحزب للحفاظ على سلاحه محدودة إلى حد كبير، وتتمحور حول تأخير هذه الخطوة بصورة أو بأخرى، لا سيّما من خلال التلويح بنتائج هذا الأمر في ضوء عدم نجاح مسألة نزع السلاح من المخيمات الفلسطينية حتى الآن وإعلان تأجيل هذه الخطوة، أو من خلال ربطها بالانسحاب الإسرائيلي من المناطق الخمس، أو فيما يمكن تسميته سياسة خطوة مقابل خطوة. 

كما قد تتخذ خيارات حزب الله بعدًا يرتبط بطبيعة السلاح الذي سيجري نزعه والتفاوض على ذلك في ضوء الممارسات الإسرائيلية؛ حيث يسلم في النهاية الحزب أسلحته الاستراتيجية وخاصة الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى والدفاع الجوي والمدافع بأنواعها المختلفة، فيما يتفاوض على بعض الأسلحة مثل الطائرات المسيرة وراجمات الصواريخ، على أن يحتفظ في كل الأحوال بسلاحه الخفيف، شأنه شأن بقية القوى بعد الحرب الأهلية.

التركيز على العمل السياسي: على الرغم من التراجع البنيوي لحزب الله على مختلف المستويات فإنه لا يزال يحتفظ بدعم قوي داخل البيئات الشيعية في لبنان، والتي تمثل القواعد الشعبية التقليدية له. وتظهر استطلاعات رأي أن 85% من الشيعة في لبنان يثقون في حزب الله، وأن 39% منهم يعتبرون حزب الله الأقرب إليهم، فيما يرى 20% أن حركة أمل كذلك. وقد انعكس ذلك بشكل واضح في نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة؛ حيث رسخ الحزب نفوذه في الدوائر الشيعية بالشراكة مع حركة أمل، وسيطرا سويًا على عشرات البلديات وخاصة في الجنوب والبقاع وبيروت، منها عدد كبير فازا فيها بالتزكية، بما يؤكد هيمنة الحزب وشعبيته في بيئاته التقليدية على الرغم من الأضرار الجسيمة التي خلفتها الحرب مع إسرائيل.

وتعد نتائج هذه الانتخابات دافعًا قويًا لتركيز حزب الله خلال المرحلة المقبلة على العمل السياسي وتعزيز شعبيته في البيئات المختلفة في البلاد استعدادًا للانتخابات النيابية المقبلة المقررة في مايو 2026 والتي ستمثل الاختبار الحقيقي لمدى تأثر الحزب بنتائج الحرب مع إسرائيل، والتي ستشهد كذلك اختبارًا حقيقيًا للعمل السياسي للحزب خاصة في ضوء تزايد التصدع في التحالفات السياسية للحزب خاصة مع التيار الوطني الحر، وبقاء حركة أمل كحليف رئيس للحزب حاليًا، بما قد يؤثر في النفوذ السياسي للحزب في الانتخابات المقبلة، ويتطلب منه عملًا مكثفًا خلال هذه الفترة للتغلب على تحديات تراجع التمويل وتصدع التحالفات وتزايد الضغوط المحلية والدولية.

استكمال إعادة البناء والتأهيل: من المتوقع أن يكثف حزب الله جهوده، في ضوء الخسائر التي لحقت به من جراء المواجهة مع إسرائيل، على استكمال إعادة بناء وتأهيل منظوماته، وخاصة القيادية والتمويلية. فعلى الجانب القيادي، أدى اغتيال قادة حزب الله وفي مقدمتهم حسن نصر الله إلى فراغ لم يستطع نعيم قاسم ملأه حتى الآن في ضوء عدم امتلاكه أيًا من المواصفات التي كان يتسم بها نصر الله كقائد تاريخي للحزب والعنصر الأهم في منظومة إيران الإقليمية والطرف المؤثر في المعادلة السياسية اللبنانية. وهو ربما ما يفسر عدم اغتيال إسرائيل له حتى الآن. 

أما على الجانب التمويلي، فتواجه المنظومة المالية لحزب الله تحديات هائلة في ضوء الاستهداف المتكرر من إسرائيل للمؤسسات التي كان يعتمد عليها الحزب في التمويل، واغتيال عناصر بارزة في هذه المنظومة مثل هيثم عبد الله بكري رئيس شبكة الصادق للصرافة. 

ولذلك من المتوقع أن يعمد حزب الله إلى تصعيد كوادر قيادية جديدة لمحاولة ملء الفراغ، مع البحث في أطر تمويلية جديدة لضمان استمرار منظوماته الاجتماعية والخدمية، ومن هذه الأطر وضع شروط في أي اتفاق لنزع السلاح بالحصول على عوائد لصالح إعادة إعمار المناطق المتضررة في الجنوب، فضلًا عن تعزيز نشاطاته في أمريكا اللاتينية التي يملك فيها بالفعل منظومات عمل كبيرة للتجارة والتهريب، وعرضت الخارجية الأمريكية مؤخرًا مكافآت للكشف عن هذه الشبكات.

إجمالًا، كشف عدم انخراط حزب الله في دعم إيران عسكريًا خلال مواجهتها مع إسرائيل عن التراجع البنيوي الذي يواجهه حزب الله في هذا التوقيت من جراء مواجهته العسكرية مع إسرائيل، وأن العوامل الداخلية أصبحت تحظى بأولوية كبيرة في الوقت الحالي في معادلات الحزب وقراراته، لا سيّما العسكرية منها، بما يرتب مجموعة من الانعكاسات المحتملة على الحزب، أهمها محدودية خياراته فيما يتعلق بمسألة نزع سلاحه وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، علاوة على ما يرتبط بالانتخابات النيابية المقبلة المقررة في مايو 2026 والتي ستحدد إلى حد كبير المستقبل السياسي للحزب وربما وجوده في حد ذاته لسنوات.

تم نسخ الرابط