اختيار الأحزاب في القائمة الوطنية بين الواقع السياسي ومبادئ الحوار الوطني

تمثل انتخابات مجلس الشيوخ في مصر إحدى المحطات الديمقراطية المهمة التي تعكس طبيعة التوازنات السياسية في البلاد، كما تكشف عن مدى تفاعل الدولة مع دعوات المشاركة الحزبية والتعددية السياسية. ومع بدء الاستعدادات للانتخابات المقبلة، أثير جدل واسع حول آلية اختيار الأحزاب المشاركة في القائمة الوطنية، خاصةً في ظل تأكيدات سابقة من القوى السياسية ومخرجات الحوار الوطني على ضرورة التنوع والتوازن في التمثيل الحزبي.
واستعرض الخبير في الشؤون العربية، محمد عبد المنعم فلسلفة القائمة الوطنية لانتخابات مجلس الشيوخ 2025 وأهدافها في التالي:-
القائمة الوطنية: فلسفتها وأهدافها
انطلقت فكرة “القائمة الوطنية” كمشروع سياسي يهدف إلى:
• جمع أكبر عدد من القوى السياسية تحت مظلة توافق وطني.
• ضمان تمثيل فئات المجتمع المختلفة.
• تجنب الصدامات الانتخابية داخل المعسكر المؤيد للدولة.
وقد حظيت هذه الفكرة بقبول نسبي عند طرحها للمرة الأولى، لِما تضمنته من روح تشاركية، إلا أن التطبيق العملي كشف عن إشكاليات جوهرية تتعلق بمنهجية الاختيار ووزن كل حزب داخل القائمة.
ملاحظات على اختيار الأحزاب
مع إعلان بعض ملامح القائمة الوطنية لمجلس الشيوخ، برزت مجموعة من الملاحظات والتحفظات، أبرزها:
1. هيمنة عدد محدود من الأحزاب:
• اقتصرت المشاركة الفعلية على عدد محدود من الأحزاب ذات العلاقة الوثيقة بالمؤسسات الرسمية أو ذات القوة الانتخابية الأكبر.
• تم تهميش أحزاب أخرى لها تاريخ سياسي طويل أو تمثل تيارات فكرية مختلفة.
2. استبعاد أحزاب معارضة معتدلة:
• لم تشمل القائمة أحزابًا ذات توجه معارض ولكنها شاركت سابقًا في الحوار الوطني بروح بنّاءة.
• هذا الاستبعاد أثار تساؤلات حول مدى صدق التوجه نحو الشمول السياسي.
3. تمثيل رمزي لا فعلي لبعض القوى:
• تم إدراج أسماء لبعض الأحزاب في القائمة، ولكن دون منحها نسبًا واقعية من المقاعد، مما وصفه البعض بـ”التمثيل الصوري”.
4. ضعف مشاركة الشباب والمرأة المستقلة:
• رغم ما نص عليه الدستور من تمكين سياسي للفئات المهمشة، إلا أن القائمة ركزت على النخب التقليدية، وغاب عنها وجوه جديدة تمثل قوى التغيير.
تعارض واضح مع مخرجات الحوار الوطني
جاء الحوار الوطني الذي انطلق في السنوات الأخيرة كمبادرة جادة لإعادة بناء الثقة بين الدولة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني، وقد خلص إلى مجموعة من المبادئ، أبرزها:-
• التمثيل الحزبي المتوازن وغير الإقصائي.
• تشجيع المشاركة السياسية من جميع التيارات داخل الإطار الدستوري.
• التأكيد على أن تنوع الآراء لا يعني تهديدًا للأمن القومي، بل ضمانة للاستقرار.
وبناءً على هذه المبادئ، فإن ما حدث في تشكيل القائمة الوطنية لمجلس الشيوخ يُعد تناقضًا واضحًا مع فلسفة الحوار الوطني، إذ عكست القائمة نزعة نحو “الاصطفاف السياسي الضيق” بدلاً من “التشاركية الوطنية الواسعة”.
أسباب هذا التناقض
يمكن فهم هذا التناقض من خلال عدة اعتبارات:
1. الرغبة في السيطرة على مخرجات مجلس الشيوخ:
• باعتباره غرفة استشارية مؤثرة، تسعى أطراف رسمية لضمان ولاء أغلبية الأعضاء.
2. الخوف من الأصوات المعارضة داخل المجلس:
• هناك تخوف من أن تتحول المعارضة المعتدلة إلى منصة لنقد الأداء الحكومي بشكل علني داخل القاعة.
3. ضعف التنسيق المؤسسي مع مخرجات الحوار الوطني:
• يبدو أن هناك فجوة بين الجهات المنظمة للعملية الانتخابية وبين القائمين على الحوار الوطني، مما يجعل توصيات الحوار غير ملزمة فعليًا.
التداعيات المتوقعة
استمرار هذا النهج قد يؤدي إلى عدد من التداعيات السلبية، منها:
• فقدان الثقة في جدوى الحوار الوطني كمؤسسة سياسية جامعة.
• إحباط الأحزاب الصغيرة والمتوسطة ودفعها نحو الانسحاب من المشهد السياسي.
• تراجع الإقبال الجماهيري على الانتخابات نتيجة شعور المواطن بعدم وجود بدائل حقيقية.
مقترحات لإصلاح المسار
من المهم الاستفادة من هذه اللحظة لإعادة تصحيح المسار الديمقراطي، ويمكن طرح بعض المقترحات:
1. إعادة هيكلة آلية تشكيل القوائم الوطنية لتكون خاضعة لمشاورات حزبية موسعة وليست مغلقة.
2. تفعيل مخرجات الحوار الوطني بصورة ملزمة في القرارات السياسية الكبرى، وعلى رأسها تشكيل المجالس المنتخبة.
3. إشراك المجتمع المدني في مراقبة الاختيارات وتقييم التوازن السياسي داخل القوائم.
4. تبني قاعدة نسبية عادلة لتوزيع المقاعد بين الأحزاب المشاركة حسب ثقلها البرامجي لا فقط السياسي.
في النهاية
تمثل القائمة الوطنية لمجلس الشيوخ فرصة لتعزيز الحياة الحزبية في مصر، لكنها في شكلها الحالي لا تعكس روح التنوع ولا تتماشى مع ما تم الاتفاق عليه في الحوار الوطني. إن تصحيح هذا المسار لا يحتاج فقط إلى تعديلات تقنية، بل إلى إرادة سياسية تؤمن بأن التنوع مصدر قوة، وأن المعارضة الرشيدة ضمانة للاستقرار، لا تهديدًا له.