يبدو أن العبث بالميليشيات مازال يدغدغ مخيلة البعض ممن حار خيالهم في محاولة إسقاط الدولة المصرية فبين تارة وأخرى تبث لنا مشاهد المرتزقة وهم يروجون لنا مشاهد الخوف ويرسلون لنا مشاعر الويل والثبور وتلك الشعارات الجوفاء الرنانة ويبدو أننا نعيش عصر "دولجة الميليشيات" وتحويل الدولة الوطنية إلى شريد على أرضها ولعل النموذج السوري خير ملهم لهؤلاء فبين عشية وضحاها وبعد 14 عاما من التخريب والمواجهة المباشرة المدعومة دوليا وإقليميا من بعض الدول العربية تحت وطأة بعض الفزاعات التي ثبت بعد المواجهة بين إسرائيل وإيران أنها فزاعات كارتونية لا تقوى على حماية نفسها فلا إيران أبادت إسرائيل في نصف ساعة كما كان يردد زعيم ميليشيا حزب الله في لبنان حسن نصر الله والذي سقط تنظيمه خلال عشرة أيام ولا إسرائيل أيضا استطاعت أن تنهي وجود تلك الميليشيات التي مازال منها كل الأمل أن تعود وتعيد بناء نفسها لتبق دائرة الخراب مستعرة في عالمنا العربي بين ميليشيات تسعى لأن تكون دولة ودولة تسعي إلى أنظمو مهادنة لا تبادله العداء.
إذن تبدو القضية اليوم والتساؤل الأبرز هو هل من الأفضل أن تتحول الدول القائمة تحت التهديد إلى ميليشيا يصعب الإجهاز عليها كإيران التي تدير سياستها عبر تنظيمات تحت الأرض توفر لها منصة للتفاوض والبقاء والمساومة أو ها من الأفضل أن تعمل كل من إسرائيل والولايات المتحدة على قبول تلك الميلشيشيات كأنظمة فوق الأرض لكن بلا مخالب كالوضع في سوريا وكما شاهدنا جميعا كيف صافح واعترف ومنح الشرعية الرئيس الأمريكي ترامب للرئيس السوري غير المنتخب وغير المستفتى على ولايته أحمد الشرع الجولاني سابقا بعد أن كان على رأس المطلوبين للولايات المتحدة لكن بعد أن وضع له شروط البقاء فوق الأرض وقبوله عضوا في المجتمع الدولي شريطة أن تتخلى سوريا الجديدة عن أراضيها وأن تقيم علاقة طبيعية مع إسرائيل التي تحتل أراضيها وتمرح غدوا وعشيا تطارد من يناصبها العداء على أرضها إذن بات مفتاح بوابة السلطة في المنطقة ولا يهم من يحمله ولا منطلقاته هو مدى وجود علاقات طبيعية مع إسرائيل وما عدا ذلك فهو البقاء مطاردا مقصوفا مدمرا تقبع تحت مظلة أحلام لا مكان لها إلا في مخيلتك.
لم تعد المشاغبة أو حقوق الأقليات وحماية حرية التعبير أو الديمقراطية والدعوة إليها إلا مجرد علامات لعصر كاذب ظن من أطلقوه أنه قادر على إسقاط الأنظمة المحيطة بإسرائيل عبر إحداث الفتنة بين الحاكم والمحكوم فإما أن يكون الحاكم كالجولاني في سوريا مهيض الجناح على رأس بلد مستباح الأرض والأجواء مربوط بمصالح داعميه مدين لهم بالفضل في استقلال من نوع بديع أعجز عن تعريفه أو الإصطلاح على معناه. أو أن يكون الحاكم وطنيا مستقلا فيحاصر حصارا لا فكاك منه ليظل تحت ضغط متصاعد لا فكاك منه إلى حين.
إنه العالم الجديد الذي قرر أن بقاء الدولة الوطنية خطر لا يحتمل وأنه لا طائل من مطاردة ميليشيات يكون لها دائما اليد العليا في أي مواجهة لأنها ببساطة لا تملك ما تخسره فيبدو أن التوجه اليوم هو أن تستحضر تلك الميليشيات وتحويلها إلى "دويلة" يسهل الضغط عليها أوفرض الأمر الواقع عليها كما يحدث في الملف السوري إذ يحمل حكامها اليوم قوائم من المطالب للاعتراف به والسماح له بالبقاء ليرى حكام العالم الجديد اليوم وأقصد بالعالم الجديد هو ذلك العالم الذي جمدت فيه الشرعية الدولية أو تغتال إذا تعارضت مع مصالح حكام هذا العالم والمتحكمون في مسار قراره.
وهنا سؤال آخر قد تطرحه الأنظمة الوطنية هل من الأجدى التحول إلى ميليشيا يصعب لأن يكون لها مقرات تقصف أو محطات كهرباء تهدم أو معسكرات تزيلها القاذفات فجرا أو أو أو وأن تتحول الدولة إلى ميليشيا غير قابلة للمفاوضة أو المساومة أم تبقى كما هي دولة في انتظار الضربة التي تحولها إلى ميليشيات تتم دعوتها لاحقا لتكون دولة موالية مسالمة تقبل الأمر الواقع.
إن المشاهد التي بثتها حركة حسم الإخوانية وبالتزامن مع ذكرى 3 يوليو التي مازالت حرجا نازفا في صدور أعدائنا وما جرى من تهافت أمريكي أوروبي لمنح الشرعية لمجموعة من القتلة للبقاء في الحكم كم رأينا يؤكد أن ثأرا تستعر ناره متأجج في صدور هؤلاء وأن يقظتنا أمام من سيطلبون الحكم عبر التخريب لتتم مكافأتهم لاحقا بالاعتراف في سلطة وهمية هي الصخرة الوحيدة التي ستتحطم عليها محاولات أعدائنا وترد كيدهم إلى نحورهم وياما دقت على الراس طبول واحنا وياهم والزمن طويل.