عاجل

منذ ثورة 30 يونيو 2013، دخلت السياسة الخارجية المصرية مرحلة جديدة تتسم بالحسم والتوازن، وتهدف إلى استعادة مكانة مصر الإقليمية والدولية كقوة فاعلة في محيطها العربي والأفريقي والدولي. وقد جاءت هذه المرحلة استجابةً لمتغيرات داخلية فرضها الحراك الشعبي، ومتغيرات إقليمية عاصفة، في ظل صراعات متشابكة وتدخلات خارجية كثيفة في شؤون الشرق الأوسط.

*أولاً: ثورة 30 يونيو وبداية التحول*

شكلت ثورة 30 يونيو لحظة فاصلة أعادت تعريف أولويات السياسة الخارجية المصرية. بعد سنوات من التراجع والتبعية، اتجهت مصر نحو إعادة بناء علاقاتها الخارجية وفق ثوابت الدولة الوطنية وليس حسابات الأيديولوجيا. كان الهدف الأول هو استعادة القرار المصري المستقل وإعادة ضبط العلاقات مع القوى الكبرى والفاعلين الإقليميين من منطلق المصالح لا الانتماءات.

*ثانيًا: استعادة التوازن في العلاقات الإقليمية والدولية*

اعتمدت مصر استراتيجية متعددة المحاور لتحقيق التوازن في علاقاتها الخارجية:
  •   تعزيز العلاقات مع الخليج العربي: دعمت دول مثل السعودية والإمارات والبحرين موقف مصر في 30 يونيو، فتطورت العلاقات لتشمل شراكات اقتصادية واستراتيجية لمواجهة التهديدات المشتركة مثل الإرهاب والتدخلات الإقليمية.
  •   الانفتاح على روسيا والصين: حرصت مصر على تنويع مصادر السلاح والاستثمارات، فتم تعزيز العلاقات مع موسكو وبكين في مجالات الطاقة، والسلاح، والبنية التحتية.
  •   ضبط العلاقة مع الولايات المتحدة والغرب: رغم الفتور الذي شاب العلاقات بعد 30 يونيو، استطاعت مصر عبر خطاب عقلاني ودبلوماسية هادئة إعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي، خاصة في الملفات الأمنية والهجرة ومكافحة الإرهاب.

*ثالثًا: الدور المصري في ملفات الشرق الأوسط*

شهد الشرق الأوسط خلال العقد الأخير اضطرابات واسعة، وكان لمصر موقف واضح ومبدئي يعتمد على دعم الدولة الوطنية ومكافحة الإرهاب ورفض التدخلات الخارجية. ومن أبرز مواقف السياسة المصرية:
  •   ليبيا: دعمت مصر الجيش الوطني الليبي في مواجهة الميليشيات والفوضى، وطرحت مبادرات سياسية لحل الأزمة بعيدًا عن التدخلات الأجنبية.
  •   سوريا: تمسكت مصر بوحدة سوريا ورفضت تقسيمها، داعية إلى حل سياسي ينهي معاناة الشعب السوري.
  •   القضية الفلسطينية: استمرت مصر في لعب دور الوسيط المحوري بين الفصائل، وساهمت في التهدئة في غزة أكثر من مرة، بالتوازي مع دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.
  •   سد النهضة: خاضت مصر معركة دبلوماسية واسعة للحفاظ على حقوقها التاريخية في مياه النيل، مستندة إلى القانون الدولي، دون التفريط في مصالح الأشقاء الأفارقة.

*رابعًا: رؤية مصر للأمن القومي العربي*

استعادت مصر دورها القيادي في حماية الأمن القومي العربي، وأكدت على أن أمن الخليج خط أحمر، كما شاركت في تأسيس تحالفات إقليمية جديدة للتصدي للتهديدات المشتركة، خاصة الإرهاب والتمدد الإقليمي لبعض القوى غير العربية في المنطقة.

*خامسًا: التحديات والآفاق المستقبلية*

رغم النجاحات التي حققتها مصر في سياستها الخارجية بعد 30 يونيو، إلا أن التحديات لا تزال قائمة، ومنها:
  •   استمرار الأزمات في السودان، ليبيا، واليمن.
  •   تصاعد النفوذ الإقليمي لبعض القوى المنافسة.
  •   تقلبات المواقف الدولية في ظل صراعات المصالح.

لكن مصر تبدو عازمة على مواصلة النهج الواقعي المتزن الذي يوازن بين المصالح الوطنية والثوابت القومية، ويؤمن بأن الأمن القومي لا يتجزأ، وأن الريادة تُبنى عبر الثبات والاستمرارية.

تم نسخ الرابط