ليست الحكاية فى “مها الصغير” وحدها، بل فى ما تمثله من حالة باتت تتكرر فى المجال العام، وتعيد علينا طرح السؤال المؤجل دائمًا: من يمنح الفرصة؟ وبأى معيار تُوزَّع الأضواء؟ ولماذا يتراجع من يمتلكون الموهبة والخبرة، بينما يتقدم من لا يملكون شيئًا سوى شهرة مصادَفة أو نسب عابر؟
مها الصغير، ابنة مصفف الشعر الشهير محمد الصغير، وزوجة النجم أحمد السقا لسنوات، لم تكن يومًا ذات موهبة تُذكر أو صاحبة تجربة مهنية تُعتدّ. ومع هذا، وجدت طريقها إلى الشاشة كمقدمة برامج، ثم ضيفة على البرامج، ثم شخصية عامة يُحتفى بها وكأننا بصدد مسيرة من الإبداع أو رحلة من النضال. كل هذلك لم يكن قائمًا على “الكارير”، بل على “القرابة” و”الانتماء الاجتماعى” لشبكة علاقات محسومة سلفًا فى دوائر النخبة والإعلام.
لكن الأزمة الأخيرة التى تفجّرت عندما نُسبت إليها لوحات فنية ليست من توقيعها، ثم خرجت لتتباهى بها أمام الكاميرات دون اعتذار أو تراجع، لم تكن مجرد سقطة عابرة أو زلة تقدير، بل كانت – ببساطة – لحظة كاشفة. لحظة تُعرِّى ما يُخفيه الهامش من أعطاب فى الصلب: انهيار معايير الاستحقاق، وتضخم وهم الشهرة، وغياب المساءلة الأخلاقية، حتى بات من لا يملك الموهبة يسطو على الفن، ومن لا يملك الوعى يقتحم الإعلام.
فى المقابل، لا يمكن فصل ما جرى عن خلفية نفسية واجتماعية تحكيها مها نفسها. تنمر قاسٍ فى الطفولة، فقط لأنها ابنة “حلاق سيدات”، قبل أن تمنح المهنة مكانتها لاحقًا ويُمنح الأب لقبه المستحق كمصفف شعر عالمى. بحث دائم عن ذات ضائعة فى ظل أب ناجح وزوج نجم، ومحاولة لصناعة “مكان” خاص بها حتى ولو فى الظل. كانت ترى فى أحمد السقا سوبرمان، فارس الأحلام، لكنه كان مشغولًا دائمًا بإثبات قوته على الشاشة، دون أن ينتبه لضعفها خلف الكواليس.
زواج بُني على “صورة” أكثر من “صلة”، وعلى “مظهر” أكثر من “جوهر”، فانهار مع الوقت حين لم تنجح محاولات الترقيع فى ستر التباعد العاطفى والفكرى.
لكن مهما كانت ظروف النشأة، فإن هذا لا يمنح مبررًا للادّعاء أو التزييف. فالمجال العام ليس مكانًا للعلاج النفسى، بل لمسؤولية الظهور والتأثير. وحين تتكرر حالات مثل مها الصغير، لا يكون اللوم فقط على الشخص، بل على المنظومة التى تغض الطرف عن الخلل، وتمنح الميكروفون لمن لا يعرف الفرق بين الفن والتزييف، وبين الحضور والسطو.
فى النهاية، مها ليست وحدها. لكنها الوجه الأشهر لحالة عامة، باتت بحاجة إلى مراجعة شاملة لمعايير الاختيار، وحدود التأهيل، ومتى يُفتح باب الضوء، ولمن؟ فليس كل من مرّ بأزمة نفسية، أو عاش قصة زواج شهيرة، جديرًا بأن يكون نموذجًا يُحتذى، أو صوتًا يُسمَع.