انفجار الأزمات في لبنان.. هل اقتربت نهاية حزب الله؟ |خاص

يشهد لبنان في الفترة الأخيرة تصاعدًا لافتًا في وتيرة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وسط حالة من الانهيار غير المسبوق في مؤسسات الدولة.
المشهد المضطرب في لبنان
وفي قلب هذا المشهد المضطرب، يبرز حزب الله كأحد أبرز اللاعبين على الساحة اللبنانية، وسط جدل واسع حول دوره السياسي والعسكري وتداعيات سياساته على استقرار البلاد، خاصة في ظل التوترات الإقليمية المتزايدة والانقسامات الداخلية العميقة
يعيش المجتمع اللبناني حالة من عدم الاستقرار، وذلك عقب دخول حزب الله اللبناني الحرب ضد إسرائيل فب الثامن من أكتوبر عام 2023، الأمر الذب ترتب عليه العديد من الأحداث المتسارعة خاصة عقب سلسة الاغتيالت التي قامت بها إسرائيل لعناصر وقيادات حزب الله.
وفي هذا السياق، حاور نيوز رووم الباحثة السياسية “أورنيلا سكر” التي قدّمت رؤية شاملة لمستقبل لبنان وحزب الله، والفرص والمخاطر التي تحيط ببيروت وذلك عقب عدة دعوات لحزب الله بتسليم وحصر السلاح في يد الدولة اللبنانية.
صحافية متخصصة في العلاقات الدولية والدراسات الاستشراقية ومديرة موقع أجيال قرن ال٢١
مسؤولية الانهيار السياسي والاقتصادي في البلاد؟
بات واضحاً أن قسماً واسعاً من الشارع اللبناني، لا سيما في المناطق الخارجة عن بيئة حزب الله، يحمّل الحزب مسؤولية مباشرة أو غير مباشرة عن الانهيار القائم.
فالمواطن اللبناني بات يرى أن سيطرة حزب الله على مفاصل القرار في الدولة، وتحالفاته مع الطبقة السياسية الحاكمة، خاصة منذ العام 2005، قد أفرزت نظاماً مشلولاً لا يعمل إلا وفقاً لمصالح ضيقة، حزبية أو إقليمية.
وبالإضافة إلى اتهامه بإدخال لبنان في صراعات إقليمية لا ناقة له فيها، يرى البعض أن الحزب أسهم في إضعاف المؤسسات الدستورية عبر ممارسات تتجاوز الدولة، وتغطي الفساد أو تعطل التحقيقات (مثل تحقيق انفجار المرفأ).
ومع ذلك، لا يزال الحزب يحظى بتأييد داخل بيئته الشعبية، رغم تراجع هذا التأييد جزئياً بسبب الأزمة المعيشية.

غضب شعبي وتدهور اقتصادي
الأزمات المتفاقمة في لبنان تُشكّل ضغطاً حقيقياً على حزب الله، لكنها لا تعني بالضرورة "نهاية وشيكة" لسيطرته. فالحزب لا يعتمد فقط على الشعبية، بل على قوة عسكرية وتنظيمية، وشبكة مصالح معقدة تربطه بالسلطة والاقتصاد والمجتمع. ومع ذلك، فإن الانهيار المالي والتضخم، وتراجع الخدمات الأساسية، كلّها عوامل تؤدي إلى تآكل الغطاء الشعبي تدريجياً، حتى داخل البيئة المؤيدة له، وخصوصاً بين الطبقة الفقيرة والشباب.
المرحلة الحالية قد تكون بداية "إعادة صياغة" الدور، لا نهايته. فالحزب بارع في التكيّف، وهو ما فعله سابقاً بين 2006 و2009، ومرات لاحقة.
التحولات الإقليمية والدولية
التحولات الإقليمية والدولية تمارس ضغطاً متعدد الأبعاد على الحزب. أولاً، التفاهمات الإيرانية – الخليجية (لا سيما مع السعودية) تدفع حزب الله إلى تهدئة اللهجة والتقليل من التصعيد. ثانياً، العقوبات الأميركية والأوروبية على شخصيات ومؤسسات متصلة به أثرت على تمويله الخارجي وتحركاته.
أيضاً، التراجع الإيراني الاقتصادي وتغير أولويات طهران نحو ملفات أكثر أهمية (مثل أمنها الداخلي والمفاوضات النووية) دفع بالحزب إلى تحمل عبء أكبر محلياً. كذلك، لا يمكن تجاهل الحضور المتزايد لفرنسا والمبادرات العربية والدولية لمحاولة تطويق نفوذ الحزب داخل المؤسسات الرسمية اللبنانية.

هل يمكن لحزب الله أن يعيد صياغة دوره في الداخل اللبناني؟
نعم، فالحزب أثبت تاريخياً قدرته على التكيّف، فهو قدّم نفسه في مراحل مختلفة كمقاومة، ثم كشريك في الدولة، ثم كمدافع عن النظام السوري، واليوم كضامن لـ"الاستقرار".
ومن المتوقع أن يحاول الحزب إعادة التموضع، ربما من خلال خطاب اقتصادي واجتماعي جديد يركّز على التخفيف من معاناة جمهوره، ومحاولة لعب دور في إنتاج حلول لأزمات الكهرباء والدواء والتعليم.
لكنه يصطدم بإشكالية بنيوية: لا يمكنه أن يتخلى عن سلاحه بسهولة، ولا عن ارتباطه بإيران، وهما أمران يعرقلان أي تحول جوهري في علاقته بالدولة والمجتمع.
ملامح المواجهة المباشرة
لا يزال الحزب يحاول الحفاظ على مظاهر الحكم من خلف الستار، مع إصرار على عدم الظهور كطرف حاكم منفرد.
لكن الواقع يُظهر أن الحزب هو الطرف الأكثر تأثيراً في تعيين الرؤساء، وتعطيل الحكومات، والتدخل في قرارات الأمن والدفاع والخارجية.
ومع تعاظم الغضب الشعبي، وخاصة من الطبقات غير الشيعية، بدأت ملامح مواجهة سياسية وإعلامية تلوح، وقد تتطور إلى مواجهة مؤسساتية، كما حدث مع القاضي طارق بيطار، أو في قضية ترسيم الحدود البحرية، أو حتى في الانتخابات النيابية الأخيرة.

ما حجم تأثير حزب الله على قرارات الحكومة اللبنانية
تأثير الحزب تعاظم بشكل كبير منذ عام 2016 بعد انتخاب الرئيس ميشال عون وتحالفه مع التيار الوطني الحر. هذا التحالف مكّن الحزب من تأمين غطاء مسيحي لسياساته، ومنح قراراته شرعية أكبر.
اليوم، رغم بعض التوترات مع "التيار"، ما زال الحزب يتمتع بقدرة على ترجيح كفة القرارات المصيرية، سواء عبر الفيتو السياسي أو من خلال وزراء يدينون له بالولاء. لكن هذا التأثير يواجه تحديات مستجدة في ظل تآكل التحالفات وصعود قوى تغييرية، ولو متواضعة.
هل هناك مؤسسات لبنانية تحاول التحرر من قبضة الحزب؟ وما فرصها في ذلك؟
نعم، هناك محاولات، أبرزها في القضاء (القاضي بيطار نموذجاً)، وفي بعض وسائل الإعلام، وفي المجتمع المدني والحراك الشعبي. كذلك، بعض القوى السياسية تحاول استعادة توازن الدولة، لا سيما القوات اللبنانية، الكتائب، وبعض النواب التغييريين.
لكن فرص التحرر ما زالت محدودة بفعل طبيعة النظام الطائفي، وضعف التمويل، والانقسامات الداخلية، وغياب مرجعية سيادية موحدة. كما أن الحزب يمتلك أدوات ضغط قد تعرقل هذه المحاولات، من الضغط السياسي إلى التهديد الأمني.

الأزمة الاقتصادية المتفاقمة
الشرخ موجود ويتسع بصمت، فالمواطن الشيعي، كغيره، يعاني من انقطاع الكهرباء، وانهيار العملة، وغياب الأدوية، وبالرغم المساعدات التي يقدمها الحزب عبر مؤسساته (مثل القرض الحسن)، إلا أنها لم تعد تكفي.
الأكثر تضرراً هم الشباب الذين يرون أنفسهم محاصرين بين ولاء حزبي لا يوفر لهم وظائف، وهجرة مستحيلة.
هذا الوضع يولّد نقمة تتصاعد ولكن لا تجد ترجمتها بعد في حراك سياسي علني، بسبب الخوف، والولاء التاريخي، والفراغ البديل.
من يمتلك الجاهزية لملء الفراغ السياسي في لبنان؟
لا توجد قوة واحدة جاهزة لكن من المحتمل أن تتقاسم الكتل السياسية التقليدية (مثل القوات، الكتائب، الحزب الاشتراكي، والمستقلين) بعض الأدوار.
إلا أن غياب مشروع موحد وشامل للدولة، وضعف البدائل المؤسساتية، قد يجعل من التراجع المحتمل للحزب مدخلاً لفوضى أو لصعود زعامات مناطقية أو طائفية جديدة.
وهنا تبرز خطورة "الفراغ" أكثر من الحزب ذاته، إذ قد يتحول إلى صراع على السلطة بدلاً من تحول ديمقراطي منظم.
هل يملك الشارع اللبناني أدوات حقيقية لإحداث تغيير جذري؟
الشارع يملك الطاقة، لكنه لا يملك الأدوات، الانتفاضة الشعبية في 17 تشرين أظهرت حجم الغضب، لكنها فشلت في ترجمة هذا الزخم إلى مشروع سياسي مستدام بسبب الانقسامات، والتدخلات، وافتقارها إلى القيادة الموحدة.
النظام الطائفي أثبت قدرته على إعادة إنتاج نفسه مراراً، من خلال دمج المعارضين أو احتوائهم أو إضعافهم.
إلا أن ضغط الأزمات قد يدفع الشارع مستقبلاً إلى إنتاج وعي جديد، خاصة إذا دعمه المجتمع الدولي ومؤسسات مدنية قوية.
هل يمكن تصور لبنان ما بعد حزب الله، أم أن الحزب سيعيد تموضعه بشكل آخر؟
من الصعب تصور لبنان من دون حزب الله في المدى القريب، لأنه مكوّن عسكري وسياسي واجتماعي مترسخ.
لكن الأرجح هو أن الحزب سيحاول إعادة تموضعه، كما فعل بعد 2006، عبر خطاب مدني أو وطني، أو من خلال تحالفات جديدة، أو حتى عبر دمج نفسه أكثر في مؤسسات الدولة.
السيناريو الأكثر واقعية ليس "ما بعد حزب الله"، بل "لبنان بحزب الله آخر": أقل سطوة، أكثر براغماتية، وأقل ظهوراً عسكرياً.
ما السيناريوهات المحتملة في حال اندلعت مواجهة أهلية أو صدام داخلي بين معارضي الحزب ومؤيديه؟
السيناريو الأسوأ هو انزلاق لبنان إلى صدام أهلي، كما حصل في أحداث الطيونة عام 2021، ومع وجود السلاح لدى طرف دون آخر، قد تتحول أي شرارة إلى نزاع دموي.
سيناريو آخر محتمل هو التصعيد الإعلامي والسياسي دون الوصول إلى المواجهة المسلحة، وذلك بإدارة إقليمية ودولية للملف اللبناني.
أما السيناريو الأكثر عقلانية فهو احتواء التوتر من خلال تفاهمات جديدة، أو مؤتمر دولي يُعيد رسم التوازنات، مع دور أكبر للجيش اللبناني والقوى الأمنية.
وفي ظل استمرار الانهيار الاقتصادي وتصاعد الغضب الشعبي، يجد لبنان نفسه عند مفترق طرق حاسم، فإما المضي في طريق إصلاح حقيقي يعيد للدولة هيبتها ومكانتها، أو الغرق أكثر في دوامة التبعية والانقسام.
ويبقى موقف حزب الله بين البُعد الوطني والانخراط الإقليمي عنصرًا حاسمًا في تحديد مستقبل البلاد، وسط تساؤلات كثيرة حول مدى قدرته واستعداده للانخراط في مشروع إنقاذ وطني جامع.