لبنان على حافة الانفجار: حزب الله يصعد وإسرائيل تهدد والدولة خارج اللعبة

في خضم توازنات داخلية هشّة وانفجارات إقليمية متلاحقة، يعود شبح الحرب ليخيّم من جديد على لبنان، فـ"حزب الله" يرفع سقف التحدي متوعدًا بـ"استمرار المقاومة"، فيما ترد إسرائيل بتهديدات مباشرة وتحذيرات من "نفاد الصبر"، وبين التصعيد والتلويح بالرد، يصل المبعوث الأميركي توم باراك إلى بيروت حاملاً "ورقة تسوية"، سرعان ما قوبلت بتعامل رسمي مرتبك لا يعكس موقفًا موحدًا.
حزب الله
عشية زيارة باراك، صعّد نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، لهجته مؤكدًا أن الحزب لن يرضخ للتهديدات، ولن يقدم أي تنازل تحت الضغط، وقال قاسم إن "شرعنة الاحتلال لا يمكن أن تكون بديلًا عن شرعية المقاومة"، مشددًا على رفض إدراج مسألة السلاح ضمن جدول أعمال الحكومة أو أي جدول زمني لتسليمه.
ويطالب الحزب بضمانات مسبقة تشمل انسحابًا إسرائيليًا واضحًا، وقف الاغتيالات، وإطلاق خطة شاملة لإعادة الإعمار، ما يعقّد مهمة الوساطة ويضاعف الانقسام الداخلي حول آليات التفاوض.
إسرائيل
ومن الجانب الإسرائيلي، أطلق وزير الدفاع يسرائيل كاتس تحذيرًا صريحًا لقيادة الحزب، قائلًا إن "نعيم قاسم لم يتعلم من مصير قادة الحزب السابقين"، في إشارة إلى سياسة الاستهداف المباشر التي تعتمدها إسرائيل.
واعتبر كاتس أن تحركات حزب الله "تُدار بأوامر مباشرة من المرشد الإيراني علي خامنئي"، مضيفًا أن صبر إسرائيل بدأ ينفد. وتشير تسريبات استخباراتية إلى تكثيف عمليات استهداف الكوادر العسكرية للحزب، في ظل استعدادات إسرائيلية لما وصفته بـ"الحسم الأمني".
القرار اللبناني
في الداخل اللبناني، يظهر التباين أكثر وضوحًا. رئيس الوزراء نواف سلام اعترف صراحةً بعجز الدولة عن حصر السلاح منذ اتفاق الطائف، معتبرًا أن غياب الإصلاحات السياسية والمركزية الموسعة مكّن "السلاح غير الشرعي" من فرض نفسه على المشهد.
وتُجري التفاوضات بعيدًا عن مؤسسات الدولة الرسمية، إذ يتولى رئيس مجلس النواب نبيه بري إدارة الحوار مع الأطراف الدولية، في ما اعتبره مراقبون تجاوزًا للآليات الدستورية وتهميشًا للحكومة والوزارات المعنية.
شبح الحرب مستمر والدولة مغيّبة
وأفاد محللون أن "شبح الحرب لم يغادر لبنان"، مشيرًا إلى أن حزب الله سبق أن وافق على وقف لإطلاق النار في أكتوبر 2024 بعد تكبده خسائر كبيرة، لكنه لم يلتزم بكامل بنوده.
وتابعوا قائلًا: "السلطة التنفيذية مغيّبة تمامًا عن مسار المفاوضات"، متسائلًا كيف لوزيري الدفاع والخارجية ألا يكونا مطّلعين على تفاصيل مبادرات مصيرية؟ واعتبر أن ما يجري هو إعادة إنتاج لمنطق "الوصاية" الذي عايشه لبنان سابقًا، حيث تحسم الأمور بين الرؤساء خارج المؤسسات.
التصعيد الإقليمي وتراجع النفوذ الإيراني
وأضافوا: التصعيد العسكري والسياسي في لبنان يرتبط مباشرة بتراجع النفوذ الإيراني في المنطقة: "نلاحظ تحركات عسكرية من حزب الله في بيروت، عمليات حوثية في البحر الأحمر، وهجمات من ميليشيات عراقية—all تنبع من رغبة في فرض وقائع ميدانية قبل أي تسوية مرتقبة"، سلاح حزب الله أصبح العقبة المركزية في أي تفاهم داخلي أو خارجي، وأن الحزب يُبقي الساحة متوترة كي لا يُفتح هذا الملف على طاولة الحوار.
الواقع العسكري: استعراض دون قدرة؟
ويطرح التقرير سؤالًا علي مدى جاهزية الحزب لخوض مواجهة مفتوحة مع إسرائيل: "هل أعاد الحزب بناء مخازنه؟ هل يملك التمويل الكافي لحرب طويلة؟"، معتبرًا التقرير امتناع الحزب عن الرد على الاغتيالات المتكررة يُظهر واقعًا جديدًا لا يصب في صالحه، إذا كانت المقاومة هي الخيار، فلماذا لا يتم تسليم القرار الأمني للدولة بدلاً من مهاجمتها إعلاميًا؟"، مشددًا على أن الساحة تعاني من فراغ سياسي ومؤسساتي يصب في مصلحة التصعيد لا التهدئة.
التسوية الأخيرة... رصاصة في العتمة؟
ورغم المساعي الأمريكية للإطلاق مبادرة دبلوماسية جديدة، إلا أن غياب الإجماع اللبناني، واستمرار سياسة "القرار الموزع" بين المؤسسات والأحزاب، يجعل احتمالات نجاح الوساطة ضعيفة، ويبدو أن حزب الله يطرح معادلة مستحيلة: الاحتفاظ بالسلاح، والمطالبة بتفاهمات أمنية واقتصادية، دون تقديم أي تنازل جوهري.
وفي هذا السياق، تزداد المخاوف من انفجار مقبل، سواء على شكل تصعيد محدود أو حرب بالوكالة، في ظل غياب مظلة سياسية موحدة.