إهمال قصر ثقافة دمياط...معلم ثقافي يتحول إلى مبنى مهجور رغم الوعود بالترميم

منذ سنوات، يعاني قصر ثقافة دمياط من إهمال واضح جعله يتحول من منارة ثقافية ومركز للإبداع إلى مبنى مهجور تتناثر حوله المخلفات وتغيب عنه الحياة الثقافية، رغم المطالبات المتكررة من أبناء المحافظة والمثقفين والمسؤولين بضرورة ترميمه وإعادة تشغيله.
القصر الذي يقع في موقع استراتيجي وسط مدينة دمياط، كان يمثل قلب النشاط الثقافي في المحافظة، حيث كان يحتضن فعاليات أدبية وفنية، ويضم مكتبة عامة ومسرحًا ومراكز تدريب، إلا أن حاله اليوم لا يعكس تاريخه. أغلق القصر أبوابه أمام الجمهور بعد أن ظهرت عليه تصدعات وشروخ في جدرانه، وتعرض مبناه للإهمال الشديد، ما دفع المسؤولين إلى إغلاق المدخل الرئيسي نظرًا لخطورته، واكتفوا بفتح مدخل جانبي يتيح دخول العاملين وبعض الأنشطة البسيطة.



بمرور الوقت، تحولت المساحة الأمامية للقصر إلى ساحة انتظار للسيارات ومقر مؤقت لبعض الباعة الجائلين، واختفت المعارض والمهرجانات التي كانت تُقام على مدار العام. المسرح الكبير الذي شهد عروضًا فنية وندوات ثقافية أصبح مغلقًا، والمكتبة الرئيسية أصبحت مهجورة. وتقدم عدد من نواب البرلمان بطلبات إحاطة بشأن ما وصفوه بالإهمال المتعمد لهذا الصرح الحيوي.
ورغم الحديث المتكرر عن البدء في تنفيذ مشروع لترميم القصر منذ عام 2021، فإن الواقع على الأرض لم يتغير كثيرًا. المشروع واجه تأخيرات متكررة لأسباب متعددة، منها نقص التمويل وغياب التنسيق بين الجهات المعنية. وحتى منتصف عام 2024، ما زال المبنى لم يُفتتح بالكامل، ولم تُستكمل أعمال الكهرباء والتشطيبات النهائية.
اللافت أن بعض الأنشطة الرمزية كانت تُنظم بين الحين والآخر في مواقع بديلة مثل القصر الجديد أو في فروع تابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة، ولكن هذه الفعاليات لم تعوض الفراغ الكبير الذي تركه إغلاق المبنى القديم. الغياب الثقافي انعكس على الحركة الفنية والأدبية في دمياط، وأضعف من حضور الشباب والمبدعين المحليين، الذين فقدوا منصة كانت تتيح لهم التعبير عن مواهبهم.
عدد من الفنانين وأعضاء نادى الأدب بدمياط أشاروا إلى أنهم اضطروا لعقد اجتماعاتهم على السلالم الخارجية أو في أماكن غير مهيأة، في مشهد مؤسف يعكس غياب التخطيط وضعف الإرادة في الحفاظ على التراث الثقافي للمحافظة. كما عبّر عدد من المواطنين عن استيائهم من استمرار هذا الوضع، مؤكدين أن القصر ليس مجرد مبنى، بل جزء من هوية دمياط الثقافية، ومتنفس فكري وفني طالما احتضن أجيالاً من المبدعين.
ويشير متخصصون في الشأن الثقافي إلى أن الإهمال لا يتعلق فقط بالبنية التحتية، بل يمتد إلى تراجع مستوى الإدارة الثقافية في دمياط، مؤكدين أن إعادة القصر للعمل لن تتحقق فقط بترميم الجدران، بل تحتاج إلى خطة متكاملة لتشغيله واستعادة دوره المحوري في الحياة الثقافية بالمحافظة.
من ناحية أخرى، يطالب نشطاء في المجتمع المدني بضرورة إعادة فتح أجزاء من المبنى بشكل تدريجي، خاصة القاعات التي تم الانتهاء من ترميمها، مع وضع جدول زمني معلن وواضح للانتهاء من المشروع بالكامل. كما شددوا على ضرورة توفير دعم مالي كافٍ من وزارة الثقافة بالتعاون مع المحافظة، ومشاركة المجتمع المحلي في صيانة وتشغيل القصر للحفاظ عليه من التدهور مستقبلاً.
في ظل هذه المطالبات، تبقى الأنظار متجهة إلى الجهات الرسمية وما إذا كانت ستتحرك بشكل جاد لإنقاذ ما تبقى من هذا الصرح الثقافي الكبير، أم سيظل قصر ثقافة دمياط مجرد مبنى مهجور يحكي قصة إهمال طال سنوات، وأغلق أبوابه أمام أجيال كانت تستحق أن ترى فيه مسرحًا نابضًا بالحياة ومكتبة تفتح آفاقها للمعرفة والإبداع.