مشروع "أرورا".. الوجه الخفي لمشروع أمريكي-إسرائيلي للتهجير الممنهج لأهل غزة

كشفت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية عن تورط شركة "بوسطن للاستشارات" الأمريكية (BCG) في إعداد نماذج مالية لتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من قطاع غزة ضمن مشروع سري حمل الاسم الكودي "أرورا" (Aurora)، قبل أن تتراجع الشركة عن المشروع وتقوم بفصل اثنين من كبار شركائها.
مؤسسة غزة الإنسانية
ووفقًا لتحقيق أجرته الصحيفة، فإن شركة بوسطن للاستشارات ساهمت في تأسيس "مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة، والتي تدير مراكز لتوزيع المساعدات في غزة باستخدام نظام أمني مشدد تديره شركة أمنية أميركية تُدعى Safe Reach Solutions (SRS)، تحت حماية مباشرة من الجيش الإسرائيلي. ونتج عن هذا النظام مقتل أكثر من 600 فلسطيني أثناء محاولتهم الوصول إلى مراكز المساعدات.
تعاقدت الشركة على المشروع في أكتوبر 2024 بعقد بلغت قيمته 4 ملايين دولار، وشارك فيه أكثر من 10 مستشارين من مكتب BCG في واشنطن، بالإضافة إلى كبار مسؤوليها، بينهم رئيس إدارة المخاطر ورئيس قطاع التأثير الاجتماعي. وقدَّم الفريق نموذجًا ماليًا لإعادة إعمار غزة يتضمن تكاليف تهجير "طوعي" لحوالي نصف مليون فلسطيني، بمعدل 9 آلاف دولار للفرد، أي بإجمالي نحو 5 مليارات دولار.
وكان المشروع يدار بالتعاون مع شركة "أوربس" الأمنية المملوكة لشركة "ماكنالي كابيتال" الاستثمارية، والتي تعاقدت مع BCG لتنفيذ المرحلة المدفوعة من المشروع، وتم بموجبه إرسال فريق من المستشارين إلى تل أبيب لتقديم استشارات لوجستية وأمنية وتجارية لتشغيل مؤسسة SRS.
كشفت الصحيفة أن الدافع الرئيسي لاختيار BCG هو ارتباطها السابق بعميل الـCIA السابق "فيل رايلي"، الذي كان مستشارًا لدى BCG وقاد تأسيس SRS، كما استخدم خطة أولية أعدها فريق BCG في نهاية 2024 لتأسيس الشركة الأمنية.
سيناريو تهجير ربع سكان غزة
المشروع شمل إعداد نموذج مالي يختبر سيناريو تهجير ربع سكان غزة من خلال منح كل فرد حزمة دعم مالي تشمل 5 آلاف دولار نقدًا، إيجار مدعوم لأربع سنوات، وغذاء مدعوم لعام، مع افتراض أن 75% من المهجَّرين لن يعودوا إلى غزة.
ورغم أن BCG لم تكن الجهة التي وضعت مخطط إعادة الإعمار، فقد تورطت بشكل عميق في تصميم النماذج الاقتصادية له، وهو ما أدى إلى جدالات داخلية واحتجاجات من موظفين في الشركة، واتهامات بتجاوز السياسات الأخلاقية، خاصة بعد أن تم إدراج فريق تل أبيب ضمن قائمة الموظفين المنهكين الذين يعملون أكثر من 70 ساعة أسبوعيًا.
وتعرض المشروع لانتقادات شديدة من الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة، إذ وصفت المفوضية السامية لحقوق الإنسان المراكز التي تديرها مؤسسة غزة الإنسانية بأنها مواقع قتل للفلسطينيين، بينما قالت المقررة الأممية فرانشيسكا ألبانيز إن المؤسسة "فخ موت مصمم لقتل أو تهجير الفلسطينيين"، واتهمت إسرائيل بارتكاب واحدة من أكثر عمليات الإبادة وحشية في التاريخ الحديث.
تصاعد الانتقادات
وسحبت BCG فريقها من تل أبيب في 25 مايو بعد تصاعد الانتقادات، وأعلنت إقالة مات شلوتر ورايان أوروداي، المسؤولين عن المشروع، كما بدأت الشركة تحقيقًا قانونيًا داخليًا بالتعاون مع شركة WilmerHale.
على الصعيد العربي، عبّر وزراء خارجية السعودية ومصر والأردن وقطر والإمارات، بالإضافة إلى السلطة الفلسطينية، عن رفضهم القاطع لأي خطة لتهجير الفلسطينيين، سواء كانت "طوعية" أم غير ذلك، مؤكدين في رسالة مشتركة إلى واشنطن أن الفلسطينيين يجب أن يبقوا في أرضهم ويشاركوا في إعادة إعمارها.
رغم محاولات بوسطن للاستشارات التنصل من المشروع، أكدت "فاينانشيال تايمز" أن تورط الشركة كان عميقًا، وتم برعاية وحماية من البيت الأبيض وإسرائيل، مما يثير جدلاً واسعًا حول دور الشركات العالمية في خطط تهجير قسري وانتهاك القانون الدولي والإنساني تحت غطاء المساعدات.