عاجل

تدين سياسي أم قناعة شخصية؟.. الوجه الديني لدونالد ترامب

دونالد ترامب
دونالد ترامب

يُعد الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب واحدًا من أكثر الشخصيات السياسية إثارة للجدل في التاريخ الأمريكي المعاصر وبينما عُرف بتصريحاته الصادمة وسلوكياته المثيرة، فإن جانبًا أقل وضوحًا في شخصيته هو علاقته بالدين.

بالصور: ترامب يزور "كنيسة الرؤساء" بعد إضرام النيران فيها من قبل محتجين |  يورونيوز
ترامب

 فهل ترامب شخص متدين بحق؟ أم أنه يوظف الدين في سياق سياسي محض؟ وهل يمكن وصفه بأنه محافظ دينيًا، أم أنه يركب موجة التدين الأمريكي لتحقيق مكاسب انتخابية؟

النشأة والتكوين الديني لترامب 

ولد ترامب في أسرة تنتمي إلى الكنيسة المشيخية، وهي طائفة بروتستانتية تُعرف بتقاليدها المحافظة نسبيًا. 

وقد التحق منذ صغره بخدمات الكنيسة وحضر عظة القس "نورمان فينسنت بيل"، أحد أبرز رموز "الإنجيل الإيجابي" الذي ركّز على القوة الذاتية والإيمان بالنجاح.

رغم هذا، لم يُعرف ترامب خلال شبابه أو بدايات حياته العامة بأنه شخص ملتزم دينيًا بشكل لافت، بل على العكس، ارتبط اسمه بأسلوب حياة علماني إلى حد بعيد، يطغى عليه الطموح الشخصي وحياة الرفاهية.

التدين على طريقة ترامب.. توظيف سياسي وحسابات انتخابية | أخبار | الجزيرة نت

 بدء حملته الانتخابية الأولى وربط السياسة بالدين

مع بدء حملته الانتخابية الأولى في عام 2015، بدأ ترامب يُظهر اهتمامًا أكبر بالمجتمع الديني، وخاصة المحافظين الإنجيليين، وقدّم نفسه كـ"مدافع عن القيم المسيحية" في وجه ما وصفه بالهجوم الليبرالي على الدين والأسرة.

خلال حملاته الانتخابية، استخدم ترامب رموزًا دينية بشكل لافت مثل، “رفع الإنجيل أمام الكنائس”، ووصف نفسه بأنه "المسيحي الذي لن يسمح باضطهاد الكنيسة"، ووعد بحماية "حرية العبادة" ورفض محو الرموز الدينية من الفضاء العام.

لكن اللافت أن هذا الخطاب الديني لم يكن دائمًا متناسقًا مع معرفته أو خلفيته الدينية؛ فخلال أحد اللقاءات، حين سُئل عن آية يحبها من الإنجيل، تجنب الإجابة، وقال: "هذا شيء شخصي جدًا"، وعند سؤاله عن العهد المفضل لديه (القديم أم الجديد؟)، أجاب بتوتر: "كلاهما رائع".

ترمبية - ويكيبيديا

علاقة ترامب بالقيادات الدينية في الولايات المتحدة

وكشفت تقارير صحفية أن ترامب بني تحالفًا متينًا مع شخصيات إنجيلية نافذة، مثل القس "باولا وايت" التي أصبحت لاحقًا مستشارته الروحية في البيت الأبيض.

 وقد دعمته قيادات دينية مثل فرانكلين غراهام وجيري فالويل الابن، رغم ماضيه المليء بالتناقضات الأخلاقية، ما فتح بابًا واسعًا من الجدل.

هؤلاء رأوا في ترامب "رجلاً اختاره الله"، رغم عدم تطابق سلوكه مع المعايير الدينية المحافظة، كثير منهم علّلوا دعمهم له بأنه "يحارب من أجل المسيحيين"، ويعيّن قضاة محافظين، ويقف ضد الإجهاض والمثليين، ويدعم إسرائيل.

الدين جزء من خطاب الهوية

أما بالنسبة لترامب، يُستخدم الدين كجزء من خطاب الهوية، "أمريكا أولًا"، "نحن أمة مسيحية"، "نرفض محو تراثنا"، وهو بذلك يخاطب قاعدة تعتبر الدين جزءًا من هويتها القومية وليس فقط معتقدًا شخصيًا.

ومثلت قراراته مثل نقل السفارة إلى القدس، وتعيين قضاة محافظين، والوقوف ضد التعليم الجنسي أو حقوق المتحولين جنسيًا، كلها تصب في إرضاء القاعدة الدينية، أكثر من كونها نابعة من قناعة لاهوتية واضحة.

زياراته الدينية 

رغم خلفية ترامب الصريحة غير الدينية، قام ترامب بسلسلة من الزيارات الرمزية لأماكن دينية بارزة، خاصة بعد دخوله البيت الأبيض، وأبرزها ما يلي:

زيارة كنيسة سانت جون قرب البيت الأبيض (2020):

في لحظة مثيرة للجدل، خرج ترامب من البيت الأبيض عقب قمع تظاهرة سلمية في محيطه، وسار إلى كنيسة سانت جون التاريخية، حاملاً الإنجيل أمام عدسات الكاميرات.

و لم يُدلِ بأي حديث ديني، ولم يصلِّ، لكنه وقف صامتًا رافعًا الكتاب المقدس، وأثارت هذه الحركة انتقادات واسعة من رجال دين، ووصفتها شخصيات مسيحية بارزة بأنها "استعراض فارغ للسلطة"، بينما اعتبرها أنصاره "إشارة رمزية لحماية القيم المسيحية".

 زيارة (حائط البراق) في القدس (2017):

دونالد ترامب اول رئيس اميركي يزور حائط المبكى في القدس - SWI swissinfo.ch

خلال زيارته لإسرائيل، أصبح ترامب أول رئيس أمريكي في منصبه يزور الحائط الغربي، وهو موقع ديني مقدس لدى اليهود. 

ارتدى القبعة التقليدية (الكيبا)، ووضع يده على الحائط، ووقف لحظات صامتًا، هذه الزيارة اعتُبرت محورية في تعزيز صورته لدى الإنجيليين المحافظين الذين يعتبرون دعم إسرائيل مسألة دينية وليس فقط سياسية.

وفي وقت سابق ومع موعد انتخابات بابا الفاتيكان قام الرئيس الأمريكي ترامب، بنشر صورة له وهو يرتدي ملابس الفاتيكان باستخدام الذكاء الإصطناعي ولم يعلق وقتها عن شيئ

ترامب ينشر صورة منشأة بالذكاء الاصطناعي وهو بزي بابا الفاتيكان

تدين شديد أم تدين وظيفيًا

لا يمكن القول إن ترامب متدين بالشكل التقليدي، هو لا يواظب على الكنيسة بانتظام، ولا يُظهر فهمًا عميقًا للكتاب المقدس، ولا يُعرف بتواضع أو تأمل روحي.

 لكن من ناحية أخرى، استطاع أن يصبح صوتًا مؤثرًا لدى فئة دينية كبيرة، بسبب وعوده وسياساته التي تتماشى مع مصالحهم.

قد نُسمي تدينه "وظيفيًا" أو "ثقافيًا"، وهو ما يجعل شخصيته محيرة، حيث يجمع بين شخصية التجاري الصارم، والسياسي الذي يعرف كيف يُرضي القواعد الدينية، دون أن يكون ملتزمًا دينيًا بشكل حقيقي أو صادق في نظر كثيرين.

سي إن إن" تكشف معتقدات ترامب الدينية من خلال تصريحاته | مندب برس

ولا يُصنف ترامب  تقليديًا كـ"محافظ ديني" من النمط الذي يلتزم بالممارسات الشعائرية أو يظهر الورع الشخصي، بل هو محافظ بشكل انتقائي، يستخدم الدين كعنصر ثقافي وسياسي، لا كإطار أخلاقي شامل.

وفي خطاباته، نادرًا ما يتحدث عن الخلاص أو الرحمة أو المغفرة، وهي قيم جوهرية في المسيحية، وبدلاً من ذلك، يميل للحديث عن "القوة" و"النصر" و"حماية القيم من الأعداء"، وهي لغة تتقاطع مع نمط الخطاب القومي أكثر من الديني.

تم نسخ الرابط