مزلقانات الموت.. حكاية 60 معبرًا عشوائيًا على شريط السكة الحديد بالقليوبية

تحولت خطوط السكك الحديدية بمحافظة القليوبية إلى مصدر دائم للموت والخطر، في ظل انتشار المعابر غير الشرعية وغير القانونية، وغياب وسائل التأمين الأساسية، وتحولت بعض القطاعات إلى أسواق عشوائية قائمة فوق القضبان، خاصة في مناطق بنها، وشبين القناطر، والخانكة، والقلج، وشبرا الخيمة، وغيرها من المدن التي تعاني من ضعف البنية التحتية، وانعدام التخطيط الآمن لعبور المواطنين.
مزلقانات الموت
وتشير تقارير ميدانية إلى وجود أكثر من 60 معبرًا عشوائيًا وغير مرخص على امتداد خطوط السكك الحديدية بالمحافظة، يستخدمها المواطنون يوميًا للوصول إلى أعمالهم ومنازلهم ومدارسهم، هربًا من غياب الكباري والأنفاق الآمنة، مما يجعلهم عرضة دائمة لحوادث الدهس تحت عجلات القطارات.
وتُعد بعض هذه المعابر مجرد فتحات في الأسوار، بينما أخرى تحولت إلى نقاط عبور معتادة دون رقابة أو تنظيم، في ظل تجاهل تام من الجهات المختصة.
وفي مشاهد يومية مأساوية، تنتشر الأسواق فوق القضبان في عدد من المناطق، أبرزها محيط محطة شبرا الخيمة وسوق الحدادين ببنها، حيث يفترش الباعة الأرصفة بين القضبان، وتُعرض السلع في انتظار الزبائن، بينما تمر القطارات وسط الزحام كأنها تتسلل من بين الأرواح، في واقع ينذر بكوارث متكررة، وسط غياب كامل للردع أو التنظيم.
ولا يختلف الوضع كثيرًا في شبين القناطر أو القلج، حيث يستخدم المواطنون القضبان كممرات بديلة للطرق، بعد أن أصبحت بعض المناطق محاصرة بالكتل الخرسانية والأسوار دون وجود فتحات مشروعة، ما يدفعهم إلى المجازفة بحياتهم كل يوم.
وتزداد الخطورة في الفترات الصباحية وأوقات خروج الطلاب والعمال، حيث تتكرر مشاهد العبور العشوائي دون وجود أدنى وسائل الحماية.
وفي ظل هذا الواقع المرير، كشفت متابعة الأخبار المحلية عن تسجيل ما لا يقل عن 18 حادث دهس على قضبان السكك الحديدية بالقليوبية خلال النصف الأول من عام 2025، أسفرت عن وفاة 24 شخصًا، بينهم أطفال وسيدات، إضافة إلى إصابات خطيرة لعشرات المواطنين وأغلب هذه الحوادث وقعت عند معابر غير مؤمنة، أو مناطق عشوائية، أو بالقرب من أسواق شعبية ممتدة على طول خطوط القطار.
ومن أبرز الحوادث التي شهدتها المحافظة خلال هذه الفترة، مصرع سيدة وطفلها أثناء عبورهما شريط القطار في منطقة القلج، حيث تعثرت قدماها وسقطت أسفل عجلات القطار، كما لقي شاب جامعي مصرعه أثناء عودته من الامتحان بعد أن صدمه القطار عند مزلقان الزهويين في شبين القناطر، وفي حادث آخر أصيب ثلاثة تلاميذ إصابات بالغة أثناء محاولتهم عبور السكة الحديد خلف مدرسة ابتدائية بمدينة الخانكة، كما لقي رجل مسن حتفه أثناء توجهه إلى السوق الأسبوعي بمنطقة كفر الجزار ببنها، بعدما دهسه القطار وهو يعبر من فتحة في سور السكة الحديد.
وفي شبرا الخيمة، شهدت منطقة أسواق السد العالي حادثًا مأساويًا آخر، حيث لقي طفل في العاشرة من عمره مصرعه أثناء لهوه بالقرب من شريط القطار.
وكان من بين أكثر الحوادث ألمًا، وفاة اللاعب الشاب يوسف الشيمي، مهاجم فريق حرس الحدود مواليد 2009، الذي لقي مصرعه رفقة صديقه يوسف أبو النصر صباح الجمعة 4 يوليو 2025، أثناء عبورهما مزلقانًا غير مؤمّن بمدينة طوخ، حيث صدمهما قطار أمام مركز الشرطة، وهو المزلقان ذاته الذي يشهد كثافة مرورية يومية وسط مطالبات سابقة بتطويره وتأمينه.
ورغم أن اللاعب ينتمي لمحافظة القليوبية، تجاهلت منطقة القليوبية لكرة القدم إصدار بيان نعي رسمي أو تقديم واجب العزاء، وهو ما أثار حالة من الغضب بين زملائه وأهالي مدينته، في الوقت الذي سارعت فيه منطقة القاهرة لكرة القدم بإصدار بيان رسمي تنعى فيه اللاعب وتعبر عن حزنها ومواساتها لأسرته.
ويواصل المواطنون من مختلف مدن المحافظة إطلاق مناشداتهم بضرورة التدخل العاجل من الجهات المعنية لتأمين المزلقانات، وإزالة المعابر العشوائية، وإنشاء كبارٍ وأنفاق آمنة، وتشديد الرقابة على الأسواق الشعبية المنتشرة فوق القضبان، إلى جانب إطلاق حملات توعية مجتمعية لحث المواطنين على عدم استخدام المعابر غير القانونية، خاصة مع ارتفاع معدلات الحوادث التي تحولت إلى مشهد معتاد لا يحرّك ساكنًا.
إن الموت على قضبان السكة الحديد بالقليوبية لم يعد استثناءً، بل أصبح مشهدًا متكررًا يُعبّر عن عمق الأزمة، وغياب الإرادة الجادة لإنقاذ الأرواح التي تسقط كل يوم في صمت مؤلم.