عاجل

حكاية مزلقان طوخ العشوائي الذي يحصد أرواح الشباب تحت عجلات القطارات

يوسف الشيمى
يوسف الشيمى

“يوسف ويوسف”.. اسمان لم يفترقا في الحياة، ولم يفرق بينهما الموت ، رحلا سويًا في لحظة موجعة اختلطت فيها الدموع بالصمت، والذهول بالأسى، حين دهسهما قطار أثناء عبورهما شريط السكة الحديد في مدينة طوخ بمحافظة القليوبية، من نقطة غير مخصصة للمشاة.

المدينة كلها استيقظت على صدمة مدوّية ، بعد وفاة يوسف الشيمي، لاعب فريق طلائع الجيش مواليد 2009 ، وصديقه المقرب يوسف أبو النصر ، اللذين كانا كتفًا بكتف، يدًا بيد، كما اعتادا طوال سنوات صداقتهما ، منذ الطفولة وحتى لحظة الوداع الأخيرة ، حيث لفظا أنفاسهما وهما متشابكي الأيدي، في مشهد يُدمي القلوب. 

الواقعة لم تكن مجرد حادث عابر، بل كانت تكرارًا مأساويًا لسلسلة طويلة من الحوادث التي حصدت الأرواح فوق قضبان السكك الحديدية بالقليوبية، نتيجة انتشار الفتحات والمعابر غير الشرعية التي تحولت إلى مصائد موت يومية. وعلى الرغم من وجود نفق لعبور المشاة لا يبعد سوى 100 متر عن موقع الحادث، إلا أن هذه الفتحة العشوائية التي استخدمها الضحيتان ظلّت مفتوحة بلا حراسة أو رقابة، لتتكرر معها الكارثة.

حكاية مزلقان طوخ العشوائي الذي يحصد أرواح الشباب تحت عجلات القطارات

وخلال النصف الأول من عام 2025، شهدت محافظة القليوبية وحدها أكثر من 17 حادثًا مميتًا على خطوط السكة الحديد، معظمها في أماكن غير مخصصة للعبور، من بينها مصرع ثلاثة أطفال في قرية القلج التابعة للخصوص أثناء عبورهم من فتحة مماثلة، ووفاة عامل في مدينة بنها دهسًا أسفل عجلات قطار القاهرة – طنطا بعد تعثره في ممر ترابي بجوار القضبان، إلى جانب حادثة راح ضحيتها مسن وزوجته في شبين القناطر عند فتحة بجوار مزلقان مغلق.

ورغم هذه الحوادث المؤلمة، ما تزال عشرات المعابر غير الرسمية قائمة حتى اليوم، يستخدمها الأهالي مرغمين، في ظل غياب الجسور والكباري، وندرة حملات التوعية، ما يفتح الباب أمام المزيد من الفقد، والمزيد من الألم.

أهالي مدينة طوخ عبّروا عن غضبهم ووجعهم، مطالبين بإغلاق الفتحة نهائيًا، وتأمين محيط السكة الحديد بحواجز قوية وتشغيل كاميرات مراقبة لمنع التسلل إليها. وقال الحاج عبد المنعم شحاتة، من سكان المنطقة، إن الجميع يعلم خطورة المكان، وقد حذّروا منه مرارًا، مضيفًا: "بنبعت استغاثات كل شوية، لكن مفيش رد… كل مرة نستنى كارثة جديدة علشان نتحرك؟". أما السيدة نجاة عوض، فقد خنقتها الدموع وهي تقول: "يوسف ويوسف دول ولادنا كلنا، طيبين ومؤدبين، كانوا زي الضل لبعض، حتى في الموت معرفوش يسيبوا بعض."

وطالب الأهالي بضرورة تحرك مجلس المدينة وهيئة السكك الحديدية بشكل عاجل، ليس فقط لإغلاق الفتحة، بل لوضع خطة شاملة لغلق جميع المعابر غير الشرعية بالمحافظة، إلى جانب تطوير البنية التحتية في المناطق المجاورة للخطوط الحديدية، وبناء ممرات علوية أو سفلية آمنة، وتكثيف حملات التوعية بخطورة عبور القضبان.

رحيل يوسف ويوسف لم يكن مجرد حادث، بل جرس إنذار أخير، ودعوة للضمير قبل أن يسبقنا الموت مرة أخرى إلى من نحب. فقدنا اليوم زهرتين من أجمل شباب طوخ، وفقدت المدينة شيئًا من نبضها وبهجتها، وأصبح الصمت يسكن الجدران، والحزن يخيم على القلوب.

فهل تُنقذ الأرواح الباقية قبل أن تُكتب سطور النعي القادمة؟

تم نسخ الرابط