عاجل

اندماج تاريخي في الصحافة الألمانية.. "دي تسايت" توحد النسختين الورقية والرقمية

صحيفة DIE ZEIT الألمانية
صحيفة DIE ZEIT الألمانية

في خطوة لافتة تعكس تحولات الصحافة الحديثة في أوروبا، أعلنت صحيفة دي تسايت DIE ZEIT الألمانية العريقة عن دمج نسختها الورقية مع منصتها الرقمية ZEIT ONLINE لتعمل كلا الجهتين من الآن تحت اسم واحد وهو "DIE ZEIT". 

ويأتي هذا التحول الكبير، الذي يدخل حيز التنفيذ بدءًا من اليوم الخميس، بعد سنوات من العمل بشكل منفصل بين النسختين رغم ارتباطهما الوثيق من حيث المحتوى والجمهور.

لم يكن قرار الدمج عشوائيًا، بل استند إلى دراسة تمثيلية واسعة أجرتها الصحيفة، شملت المشتركين والقراء والمستخدمين على حد سواء. الإجابة كانت واضحة وصريحة، عندما يفكر الناس في الصحيفة، فإن اسم "دي تسايت" هو الذي يتبادر إلى أذهانهم، سواء قرأوها على الورق أو عبر الإنترنت.

بداية النسخة الرقمية من صحيفة دي تسايت 

ويوحد هذا التحول تاريخين مختلفين تحت سقف واحد، فرغم أن النسخة المطبوعة من DIE ZEIT تأسست قبل أكثر من 75 عامًا، فإن النسخة الرقمية بدأت متواضعة في 1996 تحت اسم "ZEIT im Internet"، بميزانية لا تتجاوز عشرين ألف مارك ونصف وظيفة. 

ورغم البداية المحدودة، تميّز الفريق الرقمي بروح تجريبية عالية، كانت أولى تجلياتها إطلاق مسابقة أدبية عبر الإنترنت وبث جلسة التحكيم مباشرة عبر الفيديو، في وقت لم يكن فيه أغلب الصحفيين يملكون حتى بريدًا إلكترونيًا.

بداية النسخة الرقمية من صحيفة دي تسايت عام 1996
بداية النسخة الرقمية من صحيفة دي تسايت عام 1996

وبات فريق التحرير الرقمي بحجم الفريق الورقي نفسه، وتصل الصحيفة معًا إلى نحو 20 مليون شخص، أغلبهم من القراء الرقميين. ونجحت "دي تسايت" في تنويع أقسامها، حيث أطلقت منصات متخصصة مثل "العمل"، "الرقمية"، "المال"، "الأسرة"، "الصحة"، إضافة إلى قسم "التقارير X"، و"ZEIT am Wochenende"، و"ZEITmagazin ONLINE". 

كما حققت نجاحات كبيرة على منصات التواصل، مثل مشروع "Hochkant" الذي حصد أكثر من 10 ملايين مشاهدة على TikTok خلال أسابيع قليلة.

ولم تقتصر الابتكارات على الكتابة الرقمية فقط، بل دخلت الصحيفة بقوة إلى عالم البودكاست منذ 2017، واليوم تقدم 30 برنامجاً صوتياً عبر 70 مقدمًا، بعضها تحول إلى عروض حية أمام آلاف الجماهير مثل بودكاست ZEIT Verbrechen. وبهذا، باتت DIE ZEIT أكثر وسيلة إعلامية ألمانية استماعًا على الإطلاق.

ولا يهدف هذا الدمج فقط إلى توحيد الهوية التحريرية، بل يعكس فلسفة عميقة: إبقاء الحوار المجتمعي مفتوحًا ومتعدد الأصوات، سواء في القسم الورقي "النزاع" أو في المشاريع الرقمية مثل "ألمانيا تتحدث" و"بلدي يتحدث" و"خطة D"، حيث تم جمع آلاف المواطنين من مشارب سياسية متباينة حول طاولة نقاش مشترك، ما جعل من "دي تسايت" أكثر من مجرد وسيلة إعلامية، بل منصة لصناعة الحوار العام.

رغم نجاح النسختين كلٌ على حدة، قررت الصحيفة أخيرًا توحيد الجهود، ليس فقط على مستوى التحرير، بل أيضًا على مستوى النشر والإنتاج، خلال العامين المقبلين، وقد سبق هذا التوجه دمج بعض الأقسام كفريق التحقيقات، وإطلاق مجلة سياسية موحدة حديثًا.

وتأتي هذه الخطوة الألمانية بعد أيام فقط من تحالف مشابه في بلجيكا، حيث اندمجت مجموعتا Groupe Rossel وIPM Group لتعزيز التعاون التحريري وتطوير البنية الرقمية، في ظل تحديات اقتصادية وإعلامية متزايدة.

دمج الصحف الأوروبية 

ما يحدث في الصحف  الألمانية والبلجيكية يرسل رسالة واضحة أن الاندماج في المؤسسات الإعلامية لم يعد خيارًا ترفيهيًا، بل ضرورة وجودية لضمان الاستمرارية، وترشيد التكاليف، وزيادة الكفاءة، ومواكبة التطور الرقمي، حيث إن زمن الجزر المعزولة في الصحافة الأوروبية يقترب من نهايته، ليبدأ عصر الهوية التحريرية الموحدة والعمل من غرفة أخبار واحدة.

تم نسخ الرابط