عاجل

ديربي سان سيرو

إنتر ضد ميلان.. كراهية تتوارثها الأجيال ومجد لا يُقسّم أبدًا

روي كوستا و ماركو
روي كوستا و ماركو ماتيرازي من ديربي 2005

في مدينة لا تنام ، حيث تصطدم الأناقة بالجنون،و يتحول ملعب "سان سيرو" إلى بركانٍ من الهتاف والدخان، يُولد أحد أعنف وأعرق الصراعات في تاريخ كرة القدم"ديربي ميلانو" ، هنا لا تُحسب المباريات بالنقاط، بل بالكبرياء والدموع والانتصار للهوية.

ديربي ديلا مادونينا.. معركة لا تعرف الرحمة

ديربي الغضب ، او كما يعرف بديربي ديلا مادونينا،  ليس مجرد ديربي، حيث تتقاطع دروب المجد والعار، وتتحول المدرجات إلى ساحات حرب، والمستطيل الأخضر إلى حلبة لا تعرف الرحمة، الروسونيري و النيراتزوري، فريقان يجمعهما التاريخ، ويفرقهما كل شيء آخر، جمهور لا يغفِر، لاعبين يقاتلون حتى الصافرة الأخيرة، وأجواء تجعل حتى الهواء ثقيلًا بالكراهية والعشق في آنٍ واحد، "سان سيرو"هنا تبدأ الحكاية.

الجذور التاريخية للعداء

تعود بدايات هذا الصراع الأذلي إلى عام 1908، عندما انشق مجموعة من الأعضاء من نادي اي سي ميلان، و الذي تأسس عام 1899، وأسّسوا نادي "إنترناسيونالي" احتجاجًا على سياسة الروسونيري بشأن اللاعبين الأجانب، ومنذ ذلك الحين، تشكلت هويتان مختلفتين تماما، ميلان نادي الطبقة العاملة، الجذور الشعبية، والنزعة المحلية، بينما إنترناسيونالي، نادي النخبة والمثقفين، بانفتاحه على اللاعبين الدوليين، وهوية أوروبية الطابع، ومع مرور العقود، تحولت الخلافات الطبقية والثقافية إلى عداء رياضي محتدم لا يعرف الرحمة.

سان سيرو.. مسرح الحرب الأهلية 

على عكس معظم ديربيات العالم، يشارك العملاقان الملعب ذاته "سان سيرو" الذي يتزين بالألوان المختلفة في كل مرة يقام فيها الديربي، المدرجات تنقسم إلى نصفين"كورفا سود" بالأحمر و الأسود لألتراس ميلان، بينما "كورفا نورد" بالأزرق و الأسود، لعشاق الإنتر، كل ديربي هو مشهد درامي تتصارع فيه الهتافات، الأعلام، و "التيفو" العملاق الذي يختزل عقودًا من الكبرياء والمرارة.

أشهر المباريات.. و لحظات لا تُنسى

خماسية ميلان عام 1998

قبل مطلع الألفية الجديدة ضرب الروسونيري جاره بقوة ، بخماسية بيضاء، سجل فيها كلًا من:" جورج وياه، ليوناردو، و ديميتريو ألبرتيني"،وأعطوا درسًا قاسيًا لجماهير النيراتزوري في مباراة دخلت أرشيف الكرة الإيطالية.

سداسية ميلان  2001 .. فضيحة القرن

واصل البيج ميلان هيمنته و نتائجه التاريخية في الديربي ، و ازدادت معاناة النيراتزوري بقيادة مدربه الأرجنتيني " هيكتور كوبر"الروسونيري سجل النتيجة الأكبر في تاريخ الديربي " في العصر الحديثة و زاد الطين بلة بعد خماسيته السابقة قبل ثلاثة اعوام ، و حقق خلالها الأحمر و الأسود إنتصارًا ساحقًا بسداسية نظيفة، في مباراة لم و لن تنسى لعشاق الفريقين.

ديربي جديد في دوري أبطال أوروبا 2005

بعد مواجهة نصف مهائي دوري الأبطال في 2003 ، عاد العملاقين للمواجهة في البطولة الأكبر في اوروبا، هذه المرة في ذهاب ربع نهائي دوري أبطال أوروبا من عام 2005، تفوق اي سي ميلان بهدفين نظيفين في الإياب، وبينما كانت النتيجة تشير إلى تقدم الروسونيري بهدف ، ألقى جمهور الغريم قنابل دخانية وألعاب نارية على حارس البيج ميلان" نيلسون ديدا"، ما اضطر الحكم إلى إيقاف المباراة، النتيجة صُدم العالم من العنف المبالغ فيه ، واعتُبرت المباراة من أكثر اللحظات المظلمة في تاريخ الديربي.

ديربي السوبر الإيطالي 2011

جاء الديربي هذه المرة خارج قلعة سان سيرو ، بالأحرى ، خارج الأراضي الإيطالية، و بالتحديد أقيم بالعاصمة القطرية " الدوحة" ، حيث تُوج اي سي ميلان بكأس السوبر الإيطالي بعد الفوز على غريمه إنتر

بهدفين مقابل هدف واحد، في مشهد عكس مدى عالمية الديربي وامتداده خارج الحدود الإيطالية.

النتائج الكبيرة.. تكسير العظام و اذلال متبادل

طوال أكثر من 230 مواجهة، شهد ديربي ديلا مادونينا نتائج مفاجئة وأحيانًا مذلة، الفوز الأكبر كان من نصيب اي سي ميلان بسداسية بيضاء عام 2001 ، بينما نجحت كتيبة مورينيو من اكتساح الروسونيري برباعية نظيفة في عام 2009، و لكن المباراة الأكثر إثارة عبر تاريخ الديربي، كانت عام 1949 ، و انتصر فيها الإنتر على غريمه بستة أهداف مقابل خمسة .

مواقف عنيفة وصدامات لا تُنسى

بطبيعة الحال لا يخلو الديربي من الانفعالات، الطرد، المشاحنات، وحتى الاشتباكات البدنية، ومن أبرز هذه اللحظات:

ماركو ماتيرازي و  أندريا بيرلو

في أكثر من مناسبة، اشتبك المدافع الدولي الإيطالي ماركو ماتيرازي، صاحب المزاج الناري، مع لاعبي الميلان، ففي إحدى المرات، قام باستفزاز بيرلو بقسوة، وكادت الأمور أن تتطور لقتال داخل النفق المؤدي لغرف الملابس.

ديدا والاعتداء الجماهيري بالشعلات النارية 2005

الحادث الأشهر كانت في عام 2005 ، تم إلقاء شعلة نارية على حارس الروسونيري من جماهير إنتر، أدت لإيقاف المباراة، نال على إثرها النيراتزوري غرامة مالية كبيرة، كما مُنع من اللعب أمام جماهيره أوروبيًا، لتبقى تلك الصورة وصمة في جبين النادي.

أرقام واحصائيات من ديربي الغضب
 

خاض قطبي مدينة ميلانو ما يقارب 244 مواجهة، نجح اي سي ميلان في الانتصار في 82، بينما نجح الغريم إنتر في تحقيق 91 فوزٍ، و فرض التعادل نفسه في 71 مباراة. 

من جهة أخرى، نصّب الأوكراني"أندري شيفتشينكو" نفسه هدافًا تاريخيًا لديربي ديلا مادونينا بتسجيله 14 هدفًا، كأكثر اللاعبين تسجيلا من الفريقين، و جاء زميله باولو مالديني ، المدافع الدولي الإيطالي، كأكثر اللاعبين مشاركة في الديربي برصيد 56 مباراة، بينما حسم هيلينو هيريرا مدرب الإنتر في ستينات القرن الماضي ، صدارة المدربين الأكثر فوزًا في الديربي .

الديربي في عصر ما بعد الألقاب 

منذ عام 2010، ومع تراجع مستوى الكرة الإيطالية على الصعيد الأوروبي، شهدت الفرق بعض التقلبات، إلا أن الديربي ظل شعلة لا تنطفئ، في السنوات الأخيرة، عاد الصراع على اللقب الإيطالي ليشتعل، خاصة بعد فوز الميلان بلقب "سكوديتو" في عام 2022، ورد الجار إنتر بقوة و توج بالكالتشيو  في مناسبتين متتاليتين اعوام 2023 و 2024.

العداء الذي يُقّسم المدينة

قد يبدو الأمر طبيعًيا، لكن "ديربي الغضب" هو ما يجعل ميلانو شعلة من نار، لا يمكن تخيل المدينة دون هذا الصراع المتواصل، صراع يُقّسم العائلات، ويفرض ألوانًا على الأحياء، كما يخلق أبطالًا وأشرارًا بالتناوب.

ورغم كل الكراهية والصدامات بين العملاقين، يبقى الديربي احتفالًا بالهوية الكروية، وتجسيدًا للشغف، و هو ببساطة الأفضل في كرة القدم.
أخيرًا، ديربي ميلانو ليس مجرد مباراة، هو صراع تاريخ، نزاع هوية، و معركة شرف، و بينما يتغير اللاعبون والمدربون، يظل الشغف حيًا في المدرجات، لأن في ميلانو، الكرة ليست مجرد لعبة، بل هي أسلوب حياة.

تم نسخ الرابط