في لحظة فارقة من تاريخ التشريع المصري، جاء تعديل قانون الإيجار القديم ليضع حدًا لعلاقة ظلت لعقود طويلة خارج معادلة العدل. علاقة قائمة على تشويه مفهوم الملكية، ومراوغة حق الانتفاع، وتجميد الزمن عند لحظة قانونية واحدة لم تتغير، رغم أن كل شيء من حولها قد تغير.
لسنوات، ظل الجدل دائراً: من الأَولى بالحماية؟ المالك أم المستأجر؟ ومن الطرف الأكثر استحقاقًا في معادلة لا رابح فيها؟ كان من السهل أن يتعاطف كثيرون مع المستأجر باعتباره "أضعف الأطراف"، لكنهم لم يلتفتوا إلى أن القانون القديم بصيغته المجمدة لم يكن ينحاز للمحتاج، بقدر ما كان يجور على حق أصيل، اسمه: "الملكية الخاصة".
المستأجر الذي حصل على وحدة سكنية في خمسينيات أو ستينيات القرن الماضي، هو اليوم إما مقيم فعليًا يدفع جنيهات معدودة لا تواكب الحد الأدنى لأي منطق اقتصادي، أو أصبح مستغنيًا تمامًا عن هذه الوحدة، يؤجرها من الباطن، أو يحتفظ بها مغلقة، أو يطالب بمبالغ خيالية إذا طُلب منه الإخلاء، وكأن الملكية انتقلت إليه مع الزمن.
وفي المقابل، يقف المالك موقف العاجز، لا يستطيع بيع ملكه، أو توريثه بحرية، أو حتى استغلاله. ملكٌ عليه اسمه فقط، لكن ليس له فيه سلطة ولا قيمة.
هل هذه عدالة؟
من المهم أن نُعيد تعريف العدالة، لا باعتبارها انحيازًا للطرف الأكثر عددًا أو صوتًا، ولكن باعتبارها توازنًا في الحقوق والواجبات، إنصافًا لمن أُهدر حقه لسنوات طويلة، دون أن يُنتقص من كرامة من ارتبط بوضع قانوني يحميه.
ولذلك، حين وافق البرلمان المصري على التعديلات الجديدة، كان واضحًا أن الدولة لا تسعى لإزاحة أحد من بيته، ولا لطرد مستأجر إلى الشارع، بل أكدت في كل تصريحاتها الرسمية، أن كل مستأجر سيُوفَّر له البديل الكريم، وأن لا مواطن سيُترك بلا مأوى. هذه ليست شعارات، بل مسؤولية دستورية والتزام أخلاقي.
القضية لم تكن يومًا "صراع بين مالك ومستأجر"، بل كانت تشوهًا مزمنًا في تشريع فقد توازنه، آن أوان تصحيحه.
والتصحيح هنا ليس انتقامًا من المستأجر، بل رد اعتبار للمالك، وإعادة هيكلة لعلاقة اقتصادية واجتماعية طال إهمالها.
في النهاية، العدل لا يُجزأ.
وما لا يكون عادلًا للطرفين، لا يمكن أن يُكتب له الاستمرار.