يرتسم المشهد ساخطا ومشحونا بالتهكم كمرآة لواقع سياسي مأزوم يعانيه الفلسطينيون والعرب عموما في لحظة تاريخية يختلط فيها الغضب الشعبي باللامعقول السياسي وتكشف فيها النوايا الحقيقية خلف ما يسمى بخطط "السلام" والتي يعريها ما أطلق عليه "مكالمة الأحلام السرمدية" بين ترامب ونتنياهو والخطة المزعومة التي تتجاوز المنطق والمقبول وفي جوهر هذا الخطاب تكمن فكرة مركزية مفادها أن ما يعرض حاليا على الفلسطينيين ليس حلا سياسيا بل هو مشروع تصفية ممنهجة للقضية الفلسطينية فالخطة المعلنة لا تقوم على مبادئ العدالة أو الحقوق التاريخية أو القانون الدولي بل تنطلق من فرض وقائع الاحتلال بالقوة وتسويقها على أنها مبادرات سلام ويبدو أن هذه "الخطة" تسير على درب صفقة القرن لكنها أكثر فجورا وصراحة مع وعد بانتهاء الحرب خلال أسبوعين مقابل نفي كامل لقادة حماس والفصائل وتهجير السكان الطوعيين بـإشراف دول محايدة.
إن كل هذه العناصر بوصفها عبثية سياسية مغلفة برداء الدبلوماسية الزائفة فالتهجير الطوعي لا يختلف في جوهره عن الطرد القسري خاصة حين يتم تحت القصف والجوع وتدمير البنى التحتية أما استبدال الحديث عن اللاجئين بـمسافرين فليس إلا تلاعبا لغويا لتجميل جريمة إنسانية لا يسقطها التجميل الإعلامي ولا الرشاوى السياسية وتعالوا نفكك سردية المرونة الإسرائيلية حين يظهر أن ما يتم تقديمه من تنازلات هو في الحقيقة توسع في السيطرة على الأرض وفرض وقائع ديموغرافية قسرية بينما يبقى الوعد بدولة فلسطينية مجرد خدعة مؤجلة إلى ما بعد تنفيذ سلسلة من الشروط التعجيزية ومن مفارقات القدر هنا رفض اليمين الإسرائيلي لأي تصور لحل الدولتين حتى على الورق وهو ما ظهر جليا في تصريح وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش حين قال إن نتنياهو لا يملك تفويضا للموافقة على الدولة الفلسطينية وأن مجرد التفكير في ذلك وهم في رأس ترامب وهذا التصريح يعكس أن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي لم يعد سياسيا فقط بل بات عقائديا واستيطانيا بامتياز حيث يعتبر مجرد النقاش في الحقوق الفلسطينية بمثابة تهديد وجودي في عقل النخبة اليمينية الحاكمة والأخطر في كل ما ورد هو إقحام دول عربية في سيناريو الخطة كمصر والسعودية والإمارات وهذا الزج يفهم على أنه محاولة لمنح الخطة شرعية إقليمية والضغط على الدول العربية لتقديم تنازلات تحت اسم "الاستقرار" دون أن يكون للفلسطينيين أنفسهم رأي حقيقي في مصيرهم فهل بقي معنى لأي حديث عن سلام أو عملية سياسية وهل نحن أمام حل أم أمام إملاءات تمهد لـ"طوفان" سياسي يكرس الاحتلال ويعيد إنتاج النكبة وهل هذا الخطاب العبثي يمثل لحظة الوعي والانكشاف أم لحظة السقوط الأخلاقي للنظام الدولي ويظهر بجلاء أن ما يطرح تحت مسمى "خطة السلام" ليس سوى إعادة إنتاج لنهج الهيمنة ونزع الحقوق مغلف بعبارات مخادعة وشروط تعجيزية تستهدف تصفية القضية الفلسطينية لا تسويتها كاشفة عن عبثية المشهد وازدواجية الخطاب الدولي وإبراز حجم المأساة التي تفرض على شعب أعزل باسم الدبلوماسية والشرعية وبين زيف الوعود وضجيج السياسة يبقى صوت الحقيقة أقوى لا سلام من دون عدالة ولا دولة من دون سيادة ولا كرامة في ظل التهجير والتطهير وما يحدث الآن في غزة والضفة ليس إلا فصلا جديدا من مسرحية طويلة اسمها "السلام الإسرائيلي" لكن بدون ممثلين فلسطينيين أو مشاهدين عرب فالمقاعد فارغة والجمهور مل المسرح والممثلون لم يغيروا نصوصهم منذ عقود.