معجزة متكاملة تجسّد عظمة النبي.. علماء الأزهر يتحدثون عن الهجرة النبوية

نظم الجامع الأزهر احتفالية كبرى بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية الشريفة، في أجواء إيمانية وروحانية مهيبة، وذلك برعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وبتوجيه من أ.د/ محمد الضويني، وكيل الأزهر، وبحضور لفيف من علماء الأزهر وقياداته، يتقدمهم أ.د/ سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، والدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، والدكتور عبدالمنعم فؤاد، المشرف العام على الرواق الأزهري، وسط حضور طلابي وجماهيري واسع ملأ جنبات الجامع الأزهر.
ذكرى الهجرة النبوية
وأكد رئيس جامعة الأزهر، أن الهجرة النبوية ليست حادثة تاريخية نمرّ بها مرور الكرام، بل هي معجزة متكاملة الأركان تجسّد عظمة النبي ﷺ وصبره وتوكله على الله، موضحًا أن النبي خرج من أحب البلاد إلى قلبه، تاركًا وراءه كل شيء، لأنه على يقين بأن الله ناصره، حتى لو تخلّى عنه الناس، وهذه ثقة لا يعرفها إلا أصحاب العقيدة الراسخة.
وأوضح الدكتور "داود" أن رحلة الهجرة تمثل خريطة حياة للمؤمنين، فهي تعلمنا أن طريق النصر ليس مفروشًا بالورود، بل إنه طريق مملوء بالامتحانات، مبينا أن الهجرة كانت انتقالًا من الاستضعاف إلى التمكين، ومن الحصار إلى بناء الدولة، مضيفًا أن الهجرة تعلمنا أن النصر لا يرتبط بكثرة عدد أو عدة، بل بالإيمان الصادق والعمل المتقن والتوكل الحق على الله، وأن من يتوكل على الله حق التوكل فلن يضيّعه، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ﴾، موضحا أن كل تفصيلة في الهجرة كانت لحكمة ربانية ونعمة عظيمة.
من جانبه، أشار الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، إلى أن الهجرة النبوية تمثل مدرسة نبوية شاملة في القيادة، والتخطيط، وإدارة الأزمات، والتعامل مع الأعداء، موضحا أن النبي ﷺ، رغم كونه نبيًّا، لم يهمل الأسباب، بل خطط للهجرة بدقة، ورتّب لكل خطوة، حتى خرج من مكة بأمان، وبلغ المدينة بسلام، مؤسسًا أول دولة في الإسلام.
وبيّن الجندي أن من أعظم دروس الهجرة قيمة "المؤاخاة"، التي أقامها النبي ﷺ بين المهاجرين والأنصار، فحوّل المجتمع من قبائل متنازعة إلى أمة واحدة، فكانت انطلاقة لمشروع النهضة الإسلامي الذي حمل لواءه النبي ﷺ وصحابته الكرام، وعلمتنا أن التحول لا يتم دون معاناة وصبر وثبات على المبادئ، مؤكدا أن الهجرة ليست فقط فرارًا من الظلم، بل هي بناءٌ للأمل، وانطلاقة نحو التمكين، ودعوة لتجديد العلاقة مع الله عز وجل في كل زمان ومكان.
وفي ذات السياق، قال الدكتور عبدالمنعم فؤاد، المشرف العام على الرواق الأزهري، إن الهجرة النبوية لم تكن مجرد رحلة انتقال من مكة إلى المدينة، بل كانت تحوُّلًا حضاريًّا وفكريًّا، إذ قاد النبي ﷺ مشروعًا إلهيًّا هدفه إخراج البشرية من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان، ومن عبادة البشر إلى عبادة رب البشر، مبينا أن كل موقف في الهجرة يمثل درسًا مستقلاً في الإيمان والصبر والتخطيط.
وأوضح المشرف العام على الرواق الأزهري، أن النبي ﷺ، برغم ما لاقاه من عنتٍ وأذى، ظل ثابتًا على دعوته، يحمل رسالة الله للناس جميعًا، ويدعوهم بالتي هي أحسن، مبينا أن من أهم معاني الهجرة: الإخلاص لله، والتجرد من المطامع الدنيوية، والاستعداد للتضحية من أجل العقيدة، مؤكدًا أن كل مسلم مطالب بأن تكون له "هجرة" من المعصية إلى الطاعة، ومن الغفلة إلى الوعي، ومن التواكل إلى التوكل.