من أرقى وأسمى القيم الإنسانية والثقافات الاجتماعية «قيمة صناعة المعروف» هذه القيمة التى تؤسس لثقافة المواساة وتُبرز فقه الشعور بالآخر، وتحقق مجموعة من القيم النبيلة التى تتعلق بالتكافل والتراحم والتكامل والتعاون وحب الآخر ورفع الحرج وإزالة المشقة، كما أنها دليل على نفس زكية تتسم بالبذل والعطاء والسخاء والجود والكرم.. إلى غير ذلك كثير.
ومن هنا نقول : في زمن تتعثر فيه القلوب، وتكثر فيه الجراح، يبقى صانع المعروف كنسمة رحمة تهبّ على القلوب المنكوبة، يحمل في قلبه فقه المواساة، وشهامة الإيثار، ونُبل الشعور بالغير. هو ذاك الذي لا ينتظر مناسبة، بل يصنع من الحزن بابًا للرحمة، ومن الألم جسراً للعطاء.
إن أعظم ما يُعبّر عن نقاء النفس، وصفاء السريرة، هو أن ترى إنسانًا لا يعرفك، لكنه يسابق الريح ليضمد بكفّه جراحًا لا تُرى بالعين، ولكن تُبصرها الأرواح. فتراه يتفقد أسرة فقدت بناتها في حادث أليم، لا ليسد فراغ الفقد، ولكن ليكون بلسمًا يداوي القلب بكلمة، أو عطاء، أو دعاء.
إن المواساة ليست مالًا فقط، بل حضنًا روحيًا، ورسالة حب من قلب حي. هي امتداد لسُنّة الحبيب ﷺ الذي كان يعطي عطاءً لا يعرف التردد، ويغيث دون أن يُسأل، يحنو كما تحنو الأم، ويواسي كما يواسي الملاك.
وليعلم كل إنسان أنه بصدقته وإنفاقه ومساعداته ومواساته لغيره قد نال وصفاً جليلاً منيراً من أجلِّ وأرقى وأسمى الأوصاف، وهو (صانع المعروف)، وصناعة المعروف سببٌ لنَيْل رضا الله سُبحانه، ولتنزُّل رحمته (عز وجل)، وأصل أصيل فى الحفظ من سيئ البلاءات، والأمراض، وضمان -بإذن الله تعالى- لحسن الخواتيم؛ فقد قال (صلى الله عليه وسلم): «صنائِعُ المعروفِ تَقِى مصارعَ السُّوءِ، والصدَقةُ خِفْياً تُطفِئُ غضبَ الرَّبِّ».
ويا لَه من وصف شريف: "صانع المعروف"!
هو الذي إذا غاب ذُكر، وإذا حضر سُرّ، وإذا أنفق طاب عطاؤه، لا يُطفئ الشمعة التي في يده، بل يوقد بها شموعًا في دروب الآخرين.
فما أحوجنا أن نصنع المعروف، لا لرد الجميل، بل لوجه الله، ولأننا نعلم أن كل قطرة عطاء تروي قلبًا، وكل همسة مواساة تزيل جبلًا من الهمّ.
فاللهم اجعلنا ممن يصنعون المعروف خفيةً وعلانية، ويواسون بحب، وينفقون بإخلاص، وينالون برحمتك عظيم الأجر، وسعة الرزق، وحُسن الختام.