من وطأة الحرب إلى الظلام.. كيف يقضي أهالي غزة شهر رمضان؟

بين مخيمات حي النصيرات في قطاع غزة المدمر، يقبع المواطنى الفلسطينى أبو شريعة، داخل خيمته المهترئة والمظلمة، مع زوجته وأطفاله، ينتظر لحظة الإفطار لسد جوع بعد يوم طويل من الصيام، إذ يواجه الرجل الخمسيني حياة قاسية، نتيجة قلة الطعام بعد أن أوقف الاحتلال إدخال المساعدات الإنسانية منذ شهور وقطع الكهرباء ليأتي رمضان هذا العام محملاً بالوجع والصبر.

«أبو شريعة» واحد من آلاف الفلسطينيين الذين يعانون من أوضاع إنسانية كارثية بعد أن أوقف الاحتلال إدخال المساعدات الإنسانية وأغلق جميع المعابر المؤدية إلى غزة، وما فاقم الأزمة المعيشية نتيجة استمرار الإغلاق، الذي أدى إلى نقص حاد في الغاز وارتفاع جنوني في أسعار السلع الأساسية، حيث زادت تلك الظروف من معاناة النازحين الذين يعيشون في مأساة منذ اندلاع الحرب.

«فكرة البحث عن قوت اليوم صعبة جدًا في ظل الصيام»، يقول أبو شريعة أثناء حديثه لموقع «نيوز رووم» الذي يمضي يومه في البحث عن لقمة تسد جوع أطفاله، متنقلاً بين الأنقاض والمساعدات التي توقفت، قبل أن يجد نفسه مضطراً لإعطاء أطفاله القليل من الطعام وبعض الماء، لتسكين جوعهم، بعد أن اعتادوا النوم على بطون خاوية منذ بداية الحرب.
وأدانت منظمة التعاون الإسلامي قرار سلطات الاحتلال بوقف إدخال المساعدات الإنسانية وإغلاق المعابر المؤدية إلى قطاع غزة، مؤكدة أن هذه الإجراءات غير القانونية تمثل انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة، وكذلك قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

واعتبرت المنظمة، الحصار الإسرائيلي غير القانوني على غزة عقابًا جماعيًا وجريمة ضد الإنسانية تستوجب المساءلة بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، داعية المجتمع الدولي، وخاصة مجلس الأمن، إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف انتهاكات الاحتلال وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل كافٍ ودائم إلى قطاع غزة.

من جانبها، دعت حركة حماس، الجامعة العربية إلى كسر الحصار عن غزة وتفعيل قرارات القمة الأخيرة بهذا الشأن، مضيفة أن أهالي قطاع غزة يواجهون بوادر مجاعة بسبب استمرار منع الاحتلال إدخال المواد الغذائية لليوم العاشر على التوالي، محذرة من أن استمرار إغلاق المعابر يشير إلى اقتراب حدوث مجاعة في القطاع.
«كان معي أسطوانات غاز قمت بتسليمها قبل الإغلاق»، يقول أبو شريعة، الذي يبلغ من العمر 52 عامًا يتذكر لحظة تسليمه ثلاث أسطوانات الغاز للموزع قبل إغلاق المعابر بيوم واحد، ولكنه لم يتمكن من تعبئتها بعد الإغلاق، ليجد نفسه مضطر إلى اللجوء إلى الحطب لطهي وجبتي السحور والإفطار.

يحكي الرجل، موضحا أن جمع الحطب أصبح يشكل خطرًا على حياته، حيث توجد بعض المناطق تحت سيطرة الجيش، مما يعرضه للخطر بناءً على مزاج الجنود المتواجدين هناك.
وتابع قائلا: أزمة الغاز تسببت في إغلاق المخابز وتعطيل أعمال السائقين وأصحاب محال المعجنات، ما أدى إلى أزمة خبز حادة، موضحا أنه مع استمرار إغلاق المعابر، تفاقمت الأزمة بسبب احتكار التجار للمواد الأساسية ورفع أسعارها بشكل جنوني، مما جعل الحصول على الغذاء في رمضان تحديًا يوميًا، مشيرا إلى أن بعض التجار استغلوا الوضع في احتكار السلع الأساسية ورفع أسعارها بشكل غير مسبوق، مما جعل الحصول على لقمة العيش أمرًا بالغ الصعوبة.

«المساعدات لم تعد كما كانت قبل الإغلاق بل أصبحت شحيحة للغاية»، يضيف النازح أن المأساة لا تكمن فقط في قلة المساعدات، بل في الطريقة التي يتم توزيعها بها، والتي وصفها بأنها مهينة وغير إنسانية، يتذكر عندما وصلته رسالة من إحدى المؤسسات الإغاثية للحصول على وجبة إفطار، لكنه فضل فتح علبة فول على أن يتحمل الإهانة التي يتعرض لها النازحون أثناء استلام المساعدات.
ولم تقتصر المعاناة فقط في الغذاء بل في قطع الكهرباء، موضحا أنهم لم يروا الكهرباء منذ بداية الحرب، لكن التأثير الأكبر كان على محطات تحلية المياه، التي تأثرت بانقطاع الكهرباء.

وأكمل أبو شريعة، أنه قبل الإغلاق، كانت المياه متوفرة دون معاناة، لكن الآن أصبح الحصول على المياه العذبة تحديًا يوميًا، مشيرا إلى ارتفاع سعر 16 لترًا من المياه المحلاة إلى 4 شواكل، مما زاد من صعوبة الوضع على الأسر التي تعاني من ظروف قاسية.
يصف الرجل الظروف، موضحا النازح يقوم في رمضان بسلسلة من المهام الشاقة، حيث يبدأ صباحه بشحن الهواتف وبطاريات الإضاءة في بعض الأماكن، ثم البحث عن الخبز وسط أزمة المخابز، ثم جمع الحطب لتحضير الإفطار، وأخيرًا البحث عن المياه العذبة وسط ندرتها وارتفاع أسعارها.