هل يجب أخذ رأي الزوجة فى الإنتقال لمنزل جديد؟.. أمين الفتوى يجيب

قال الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن الانتقال من مسكن الزوجية المستقر إلى مسكن آخر لا يكون حقاً للزوج فقط دون استشارة زوجته، بل يجب أن يكون هناك تفاهم وشورى بين الطرفين.
الحياة الزوجية تقوم على التفاهم
وأضاف أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال حوار ، ببرنامج "فتاوى الناس"، المذاع على قناة الناس، اليوم الثلاثاء أن الحياة الزوجية تقوم على التفاهم والمشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية، مشيراً إلى أن "الحياة الزوجية التي يُتخذ فيها قرار من طرف واحد دون مشاركة الآخر لا تكون حياة ناجحة".
وأوضح أن بعض الأسباب قد تدفع الزوج لرغبة الانتقال، مثل قرب المسكن الجديد من عمله أو من أهله لمراعاتهم، وهذا أمر وارد ومفهوم، لكن يجب أن يؤخذ رأي الزوجة في الاعتبار خاصة إذا كان المسكن الجديد غير مناسب لها أو لأسرتها.
وأشار إلى أن من الطبيعي أن ينتقل الزوج مع زوجته إذا تغيرت ظروف العمل أو السكن، بشرط أن يكون ذلك بعد اتفاق واتخاذ قرار مشترك بين الزوجين، "فالقرار يحتاج إلى سعة عقل وتفاهم بين الطرفين لضمان استقرار الحياة الزوجية."
https://www.youtube.com/watch?v=82il4iZdSLo
من جانبها قالت دار الإفتاء المصرية إنه من حقِّ المرأة أن تُستَشار وتُشَارك برأيها فيما يتعلَّق بأمور الحياة الزوجية؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولنا فيه الأسوة والقدوة الحسنة.
معنى قوامة الرجل على المرأة
وأوضحت دار الإفتاء أن المراد من قوامة الرجل على المرأة: قيامه على شؤونها ورعايتها والمحافظة عليها وتدبير أمورها، وليس المراد منها تَسلُّطَه عليها وقَهْرَه لها، واستدلال زوجكِ بما نسبه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بما ذكره من "مقولات شائعة" غير صحيح، وهو مخالف لمسلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة الكرام في المشاورة، سواء مع المرأة عمومًا أو مع الزوجات.
وقد ورد في الهدي النبوي الشريف ما يقرِّر ويثبت ذلك الحق، وذلك فيما أخرجه الإمام البيهقي في "السنن الكبرى" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أَّنَّه قال: "ما رأيت أحدًا قط كان أكثر مشورةً لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم".
حكمة مشروعية الشورى
وعن الحكمة التي من أجلها شرعت الشورى: أنَّ القدرة الإلهية اقتضت أن تخص كل مخلوق بمزية لا توجد في مخلوق آخر؛ وإلى هذا المعنى أشار الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي في "الفتوحات المكية" (2/ 423، دار الكتب العربية الكبرى)، فقال: [والسبب الموجب للمشورة: كون الحق له وجه خاص في كل موجود، لا يكون لغير ذلك الموجود؛ فقد يُلقى إليه الحق سبحانه في أمرٍ ما، ما لا يُلقيه لمَن هو أعلى منه طبقة.. ومن ذلك الوجه يُفتقر كل موجود إليه] اهـ، وفي هذا إشارة لما جعله الخالق سبحانه في خلقه من اختلاف بين الأجناس والأنواع موجب للتكامل في أداء الوظائف ملزم بالتبادل البيني للمعارف والخبرات.
ومن الأمور التي منحها الشرع الحنيف للمرأة وأحاطها بالحماية، وكلَّلها بالرعاية: الرجوع إليها بالتشاور، والاستبصار برأيها السديد؛ فقد كانت المرأة تستشارُ ويُرْجعُ إلى رأيها في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ أشار إلى ذلك ابن قتيبة الدينوري في "عيون الأخبار" (1/ 82، ط. دار الكتب العلمية)، فقال: [عن الحسن قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستشير حتى المرأة، فتشير عليه بالشيء؛ فيأخذ به] .
شواهد من الشريعة على رجاحة عقل المرأة
وورد في الشريعة الغراء جملة من الشواهد تشير إلى رجاحة ووفور عقل المرأة، وسداد رأيها ومشورتها، لا سيما في الأمور الجِسَام والقضايا المصيرية؛ فمن ذلك المشورة الحكيمة لأم المؤمنين السيدة أم سلمة رضي الله تعالى عنها في صُلح الحديبية، والتي نفع الله عزَّ وجلَّ بها الأمة الإسلامية ممثلة في أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ حيث أنجاهم من حدثٍ جلل وأمرٍ عصيب، وذلك عندما التبس الأمر عليهم، فانتظروا في أمر النحر والحلق حين أمرهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بذلك؛ فأشارت عليه السيدة أم سلمة رضي الله تعالى عنها بقولها: «يَا نَبِيَّ اللهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ، اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا» أخرجه البخاري.