5 نواب بـ"الوراثة".. تصعيد أبناء وبنات الراحلين يثير الجدل داخل البرلمان

في الوقت الذي تُنادى فيه بضرورة تجديد الدماء داخل المؤسسات التشريعية وتحقيق تمثيل أكثر تنوعًا وعدالة، تبرز في مجلس النواب المصري ظاهرة متنامية تثير الجدل، باتت تُعرف في الأوساط السياسية والإعلامية باسم "توريث المقعد البرلماني"، حيث شهدت الدورة الحالية تصعيد عدد من أبناء وبنات نواب راحلين إلى مقاعد ذويهم، دون إجراء انتخابات تكميلية، اعتمادًا على نظام "القوائم المغلقة" الذي يتيح تصعيد الاحتياطيين تلقائيًا.
قانونية لا تُغلق باب التساؤل
ينص قانون مجلس النواب رقم 46 لسنة 2014، في مادته الرابعة والعشرين، على أن خلو المقعد نتيجة الوفاة أو الاستقالة أو إسقاط العضوية، يُتيح تصعيد المرشح الاحتياطي التالي في الترتيب داخل القائمة المغلقة. ويُعد هذا الإجراء قانونيًا ويهدف إلى الحفاظ على استقرار المؤسسة التشريعية وعدم تعطيل العمل النيابي.
لكن رغم صراحة النص القانوني، فإن التطبيق العملي لهذا النظام أثار جدلًا واسعًا، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتكرار تصعيد أبناء وبنات النواب الراحلين، وهو ما يطرح تساؤلات جوهرية حول تكافؤ الفرص، والتمثيل الحقيقي، ومدى شفافية عملية الاختيار داخل القوائم الانتخابية.
خمس حالات توريث
رُصد خلال الدورة البرلمانية الحالية خمس حالات تصعيد مباشر لأبناء أو بنات نواب راحلين، جاءت على النحو التالي:
آية فوزي فتى: صعدت في ديسمبر 2024 خلفًا لوالدها النائب الراحل فوزي إسماعيل فتى، عضو قائمة "الوطنية من أجل مصر" عن محافظة الدقهلية.
أسماء سعد الجمال: تولت مقعد والدها اللواء سعد الجمال، أحد أبرز نواب محافظة الجيزة وعضو قائمة "مستقبل وطن" بقطاع الصعيد، بعد وفاته في فبراير 2025.
هالة السيد حسن موسى: تم تصعيدها إلى البرلمان عقب وفاة والدها النائب السيد حسن موسى، وكانت ضمن الأعضاء الاحتياطيين في القائمة ذاتها.
رغدة عبد السلام نجاتي: خلفت والدتها النائبة ابتسام أبو رحاب، عن محافظة الوادي الجديد، ضمن قائمة "مستقبل وطن"، في أكتوبر 2024.
رنا رؤوف أحمد علي: صعدت في فبراير 2024 بدلًا من والدتها النائبة أمنية رجب، عن محافظة المنيا، ضمن قائمة "الوطنية من أجل مصر".
القوائم المغلقة.. آلية انتخابية أم وسيلة نفوذ؟
يرى مراقبون أن نظام القوائم المغلقة الذي أُعيد العمل به ضمن التعديلات الانتخابية الأخيرة، يفتح الباب أمام "التصعيد التلقائي" دون الرجوع إلى الناخب، وهو ما يمنح الأحزاب سلطة شبه مطلقة في تحديد الأسماء الاحتياطية، بعيدًا عن الرقابة المجتمعية أو الممارسة التنافسية.
وفي هذا السياق، تُطرح تساؤلات حول كيفية اختيار الاحتياطيين، وهل تتم وفقًا للكفاءة السياسية والشعبية، أم بناءً على العلاقات العائلية والمصالح الحزبية؟ بل ويذهب البعض إلى اعتبار هذه القوائم نسقًا مغلقًا يعيد إنتاج النخبة ذاتها، تحت غطاء قانوني محكم.
وجهتا نظر.. ومخاوف من التكرار
من جانبها، تدافع بعض القيادات الحزبية عن هذه الممارسة باعتبارها قانونية ومنظمة، وتشير إلى أن أبناء النواب يتمتعون غالبًا بخبرة سياسية موروثة واطلاع على الشأن العام من خلال بيئة عائلية مشبعة بالعمل العام. كما يُشدد هؤلاء على أن التصعيد يتم وفق الترتيب المُعلن مسبقًا في القائمة، وليس بناءً على قرارات فردية.
لكن على الطرف الآخر، ترى قوى سياسية ونشطاء أن الظاهرة تمثل إشكالية حقيقية تهدد ديمقراطية العمل البرلماني، وتمنح الأولوية للقرابة العائلية على حساب الكفاءة والتمثيل العادل، خصوصًا في ظل غياب الانتخابات التكميلية التي تتيح للناخبين اختيار ممثليهم بحرية.
الحاجة إلى مراجعة تشريعية
مع تكرار هذه الحالات، تتعالى أصوات تطالب بمراجعة نظام القوائم المغلقة، أو على الأقل تنظيم معايير اختيار الأعضاء الاحتياطيين، بما يضمن عدالة التمثيل وتنوع الخلفيات داخل البرلمان.
كما يُطالب البعض بفتح نقاش برلماني ومجتمعي أوسع حول إمكانية العودة إلى النظام الفردي أو القوائم النسبية المفتوحة، التي تسمح بقدر أكبر من الشفافية والتنافس السياسي الحقيقي، وتقيد سلطة الأحزاب في تمرير أسماء دون مساءلة جماهيرية.