ما جزاء وثواب “الكاظمين الغيظ”؟.. خلق عظيم وجزاء كريم وعد الله به المحسنين

في زمن تتسارع فيه الانفعالات وتتصاعد حدة الخلافات بين الناس، يبرز خُلق كريم من الأخلاق الإسلامية التي ندبت إليها الشريعة، وامتدحها القرآن والسنة النبوية، وهو خلق كظم الغيظ. هذا السلوك الذي قد يراه البعض ضعفًا، بينما هو في ميزان الإسلام دليل قوة داخلية، ونضج إيماني، وارتقاء بالنفس.
ويُعرَّف كظم الغيظ بأنه حبس الغضب عند القدرة على الانتقام، وضبط النفس عند الانفعال، وهو من الصفات التي أثنى الله عليها في كتابه الكريم بقوله تعالى في سورة آل عمران:﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ • الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾
ويؤكد العلماء أن الله سبحانه قرن كظم الغيظ بالإحسان والعفو، بل جعله من صفات المتقين الذين أعد لهم الجنات، فليس كظم الغيظ مجرد كف للأذى، بل هو درجة رفيعة تدل على تسامٍ إيماني، وصبر جميل.
في الحديث النبوي.. من كظم غيظه وهو قادر على إنفاذه
روى الإمام الترمذي عن النبي ﷺ أنه قال:“من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، حتى يُخيّره من الحور العين ما شاء”
وهذا الحديث يبرز عظم الجزاء المرتبط بكظم الغيظ، فالمسلم الذي يتحكم في أعصابه، ويمتلك نفسه عند الغضب، يُكرم يوم القيامة تكريمًا خاصًا أمام الخلائق، ويُجازى جزاء المحسنين.
علماء الدين: كظم الغيظ يطفئ نار الفتن ويعزز التماسك
أوضح مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية أن كظم الغيظ ليس ضعفًا ولا مهانة، بل هو قوة روحية وأخلاقية، إذ جاء في الحديث الشريف:
“ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب” (متفق عليه)
وشددت المؤسسة الدينية على أن ضبط النفس عند الغضب له آثار إيجابية عظيمة في تقوية الروابط الاجتماعية، ومنع الشحناء، وتحقيق السلم المجتمعي، كما أن الغضب غير المضبوط كثيرًا ما يؤدي إلى الندم، أو إيذاء النفس والغير.
أثر كظم الغيظ في المجتمع والأسرة
في بيئة العمل، وفي الحياة الزوجية، وفي الشارع، يؤدي كظم الغيظ إلى نزع فتيل الخلافات، وحماية العلاقات من التدهور. فالكلمة التي تُقال في لحظة غضب قد تهدم سنوات من المودة، لكن العفو وضبط النفس يحفظان الود، ويجددان الثقة
خطوات عملية لتعلم كظم الغيظ
1. الاستعاذة بالله من الشيطان
عند شعورك بالغضب، أول خطوة نبوية هي أن تستعيذ بالله، كما قال النبي ﷺ:
“إذا غضب أحدكم فليقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم”
لأن الغضب من الشيطان، والاستعاذة تطفئ وساوسه.
2. تغيير الحالة الجسدية
جاء في الحديث:
“إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع” (رواه أحمد)
فمجرد تغيير الوضع البدني يساعد على التهدئة وضبط النفس.
3. التزام الصمت
قال النبي ﷺ:“إذا غضب أحدكم فليسكت”
لأن الغضب يوقع صاحبه في الزلل وسوء القول، وكظم الغيظ يتطلب الصمت حتى تزول حدة الانفعال.
4. الوضوء
قال رسول الله ﷺ:“إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خُلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ” (رواه أبو داود)
الوضوء يطفئ حرارة الغضب ويعيد التوازن النفسي.
5. تذكُّر فضل كظم الغيظ
حين تستحضر في ذهنك أن كظم الغيظ سبب لمحبة الله، وأنه يجعلك من أهل الجنة، ستتشجع على حبس الغضب وعدم الانفعال. قال تعالى:وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾
وجاء في الحديث:
“من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة”
6. تربية النفس على الحلم
كظم الغيظ لا يأتي فجأة، بل هو ثمرة مجاهدة النفس، والتمرين على الحلم والعفو، والتعامل مع الناس برقي، وعدم التسرع في ردود الأفعال.
7. الدعاء وسؤال الله الثبات
كان النبي ﷺ يدعو الله كثيرًا بأدعية فيها طلب الحلم، ومن أدعية كظم الغيظ:“اللهم اغفر لي، واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت