تعيش منطقة الشرق الأوسط هذه الأيام تحولات كبيرة للغاية ، قد تعيد تشكيل منطقة الشرق الأوسط من جديد. ويبدو أن فكرة الشرق الأوسط الجديد ليست ببعيدة عن التنفيذ في ظل اصرار امريكى صهيوني على تنفيذها .
بدأت التطوارت الخطيرة في الشرق الأوسط الجديد نتيجة للآثار والتداعيات المترتبة على الحرب التي بدأت بين ايران واسرائيل والتي بدأت في 13 يونيه 2025م وانتهت هذه الحرب بتدخل الولايات المتحدة الأمريكية بصورة مباشرة في هذه الحرب بقصف مفاعل ( فردو ) ثم أعلنت وقف اطلاق النار بين الطرفين في 24 يونيه 2025.
بدون شك فقد تركت هذه الحرب تداعيات خطيرة للغاية متعلقة بتوان القوى الاقليمى . فقد اتضح أن الكيان الصهيوني ينفذ سيساته الاقليمية بدعم أمريكي فج . جعل هذا الكيان متمرد ورافض لكافة القرارات الأمية ومتحديا القوانين الدولية وظل الفيتو الأمريكى في مجلس الأمن داعم ومساند للارهاب الاسرائيلي في المنطقة . فجرائم الحرب في غزة لا تزال مستمرة دون توقف وجرائمه في سوريا ولبنان لا يحاسب عليها .وحربه الأخيرة مع إيران والتي بدأها دون سابق انذار خلفت صدمة للنظام الايراني فقد فقد فيها قيادات عسكرية رفيعة المستوى واكثر من عشر علماء في البرنامج النووي الايراني وكذلك منصات الدفاع الجوي جعلت سماء إيران مستباحة أما الطيران الصهيوني والامريكي.كما ضربت اسرائيل الكثير من المناطق العسكرية التابعة للحرس الثوري والباسيج وكذلك المطارات ودمرت أماكن تابعة للمعلات النووية في نطنز وارام وبوشهر واخيرا فردو . ورغم كل ذلك وحتى هذه اللحظة لا أحد يعرف مدى الضرر الذي لحق بالبرنامج النووي الايران وما هي المدة الزمنية التي تحتاجها ايران لترميم وبناء برنامجها النووي من جديد؟.
في المقابل استعادت ايران قدراتها وقامت برشق اسرائيل طوال عشرة ايام بالصواريخ الباليستية التي اخترقت القبة الصاروخية وسببت اضرار كبيرة بالجانب الاسرائيلي ربما تدمير مركز الابحات الاستراتيجى وايتزمان كان الابرز خلال هذه الضربات ..لكن الضرر الأهم غالذي لحق بالكيان كان ضرر نفسي متعلق بصفارات الانذار التي سبب ذعرا لسكان الكيان جعلتهم يعيشون لساعات طويلة داخل الملاجىء.
لقد كانت لهذه الحرب اضرارا كبيرة لدى الطرفين ورغم ذلك احتفل كلاهما بالنصر في الميادين العامة مما يؤكد أن تبعات هذه الحرب لاتزال مستمرة وسوف تؤثر بشكل كبير على مستقبل الشرق الأوسط . ويمكن الاشارة لعدة نقاط حول هذه الحرب :
أولا : هناك اختلال واضح في توازن القوى الاقليمى بمنطقة الشرق الأوسط وهذا الاختلال هو لصالح الكيان الصهيوني . فالكيان لا يدخل حرب أو صراع أمريكي دون دعم واضح وفاضح من الولايات المتحدة الأمريكية وتسعى اسرائيل للاستفادة من هذا الوضع لتكون هي القوة النووية الوحيدة في المنطقة ولذا فقد بدأت هذه الحرب بهدف تدمير البرنامج النووي الايراني وهو نفس هدف الولايات المتحدة الأمريكية وبسببه خاضت الحرب مع الكيان ضد ايران . وهو ما يعني أن المشروع الصهيوني في المنطقة سوف يتمدد وهو كان ولا يزال التهديد الحقيقي لدول المنطقة وبدعم أمريكى كامل.
ثانيا : أثبتت إيران في هذه الحرب قدرتها على المواجهة واستعادة الثقة في قدراتها فورا بعد الضربة القوية وان امتلاكها للصواريخ الباليستة هي نقطة القوة لدى النظام الايراني وهو ما يؤكد أن مشروع الصواريخ الباليستية الايراني لا يقل أهمية عن مشروعها النووي.
لكن الحرب أكدت أيضا هشاشة الوضع الامنى الداخلي في ايران وان ايران مخترقة بشكل كبير من قبل الموساد الاسرائيلي ومنذ فترة كبيرة .. وان هذه الاختراقات وصلت الى مستوى التنخبة في ايران.
ثالثا : إيران رغم رفضها مقترح " الاستسلام غير المشروط " الذي قدمه الرئيس الامريكى ترامب ، إالا أنها في الوقت ذاته لم يكن لديها القدرة في الدخول في حرب مباشرة ومفتوحة مع الولايات المتحدة الأمريكية وكان رد فعلها بعد الضربة الأمريكية لمفاعل فردو بقصف صاروخي لقاعد العديد في قطر لم يكن الا لحفظ ماء الوجه و بتنسيق مع واشنطن والدوحة
رابعا : أثبتت حرب الايام العشر بين إيران واسرائيل هيمنة وسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على منطقة الشرق الأوسط وانها القوة العالمية الوحيدة القادرة على ادارة الصراع في الشرق الأوسط بما يخدم مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني.
واستمرار الهيمنة الأمريكية في منطقة الشرق الاوسط يرتبط بالضرورة بالسلوك الشيطانى الصهيوني في المنطقة .
خامسا: موقف الدول العربية خلال هذه الحرب كان محايدا بشكل كبير وهو أمر طبيعي فالدول العربية واقعة بين مشروعين كلاهما قائم على العقيدة وكلاهما قائم على التمدد والتوسع على حساب الدول العربية في المنطقة. لكن غياب العرب عن قضية غزة أمر مختلف فالحياد مع غزة هو دعم للكيان في كل ما حدث وما سيحدث.
مستقبل الشرق الأوسط
كل حدث وما سيدث في الشرق الأوسط هو صورة سلبية عن مستقبل المنطقة فالصراع بدأ ولن ينتهي ..لم يكن قرار وقف اطلاق النار بين ايران واسرائيل هو نهاية للصراع بل هو وقف مؤقت للحرب ...كلتا الدولتين احتفلتا بالنصر ولا نزال التصريحات المتشددة والوعيد والاستفزاز يخرج من الطرفين ..كل ذلك ما هو الا مؤشر على استمرار الصرا وعدم الاستقرار .اضف الى ذلك سيطرة الولايات المتحدة على صنع القرار في المنططقة وهو ما يعنى أن أمريكا لن ترضى بقوة نووية اخرى في المنطقة غير اسرائيل . في المقابل النظام الايراني لديه رغبة حقيقية في امتلاك التقنية النووية العسكرية ولن يتراجع عنها ورغبته ليس من فراغ فايران لديها مشروع اقليمى كبير يحتاج الى سلاح ردع يحمى هذا المشروع ويحافظ على استمرار النظام ومشروعه الاقليمي.
نقطة أخرى وهي حلفاء ايران الاقليميين وهنا اشير الى الحركات المسلحة في لبنان وسوريا والعراق واليمن . وكل هذه الحركات لم تدخل الحرب اساسا وربما اجبرت على ذلك .. فحزب الله اللبنانى اضطر للتراجع بعد ضربات اسرائيلية موجعة خسر فيها الصف الاول والثاني من قياداته اضافة الى الخسائر العسكرية وفقدان طريق للدعم اللوجيستى بينه وبين ايران .
أما في سوريا فقد خرجت القحركات المسلحة الموالية لايران من سوريا بعد هزيمة بشار الاسد ونجاح الجيش الحر في السيطرة على سوريا وبذلك فقدت ايران طرفا مهما لها في الاقليم .وفي العراق تم تحييد الجماعات المسلحة التابعة لايرن من خلال الولايات المتحدة الامريكية بالتنسيق مع الحكومة العراقية . ولم يبق سوى الحوثيين في اليمن وهم ايضا تعرضوا لقصف مؤثر من قبل الولايات المتحدة الامريكية الا انها لم يتخلوا عن النظام الايراني وكانت لهم بعض المناورات المؤثرة.
ورغم كل ذلك لا تزال ايران تمتلك قدرة السيطرة على هذه الحركات واظن أنه لم يكن تخلي من هذه الحركات بقدر ما هو اعادة ترتيب للاوراق واستكمال القدرات العسكرية واعادة التنظيم من اجل العودة مرة أخرى للساحة . من كل ما سبق يؤكد على أن مستقبل المنطقة غير مبشر وان عدم الاستقرار هو السمة لهذه المنطقة خلال السنوات المقبلة .