أماكن انتظار عمال الترحيل.. خطوة حضارية تنظم الفوضى وتحفظ كرامة العامل

أماكن انتظار عمال الترحيل ليست مجرد "ساحات" بديلة، بل هي تعبير عن إرادة سياسية ومجتمعية لإعادة الاعتبار لفئة طال تهميشها، وهي تجربة تمهد الطريق نحو تنظيم سوق العمل غير الرسمي، وتحقيق التوازن بين النظام والعدالة.
ففي خطوة تهدف إلى تنظيم المشهد الحضاري، وتحسين أوضاع الفئات الأكثر احتياجًا، شرعت وزارة العمل بالتعاون مع محافظة القاهرة في إنشاء أماكن مخصصة لانتظار عمال الترحيل في عدد من المناطق الحيوية بالعاصمة، هذه الخطوة تُعد الأولى من نوعها على مستوى الجمهورية، وتأتي استجابة لمطالبات مجتمعية طويلة بحل أزمة "العشوائية" التي طالما ارتبطت بعمال الترحيل في الشوارع.
"عمال الترحيل" هم فئة من العمالة اليومية الذين يعملون في أعمال التحميل والتفريغ والنقل، ويعتمدون في كسب رزقهم على الوجود في أماكن محددة، بانتظار من يستدعيهم للعمل،ولسنوات، ظل هؤلاء العمال يقفون في مجموعات متفرقة على أرصفة الشوارع، في ظروف مناخية صعبة، ودون غطاء قانوني أو تنظيمي يحفظ كرامتهم أو ينظم طبيعة عملهم.
مواقع مختارة بعناية
وفقًا لتصريحات مسؤولي محافظة القاهرة، تم تحديد عدة مواقع استراتيجية لإنشاء ساحات انتظار العمال، بحيث تكون قريبة من مناطق النشاط التجاري والمخازن والأسواق الشعبية، دون التأثير على السيولة المرورية أو المظهر العام.
ومن أبرز المواقع التي تم تجهيزها:
ساحة انتظار عمال الترحيل في باب الشعرية واحدة من أوائل الساحات التي تم تجهيزها، تشمل مظلات للحماية من الشمس، ومقاعد انتظار، ودورات مياه عامة.
نقطة تجميع العمال في حي السيدة زينب: تشمل لوحة تنظيمية تسجل أسماء العمال المتواجدين، وعدد ساعات الانتظار، وترتيب الأولوية في النداء.
ساحة الخليفة – شارع صلاح سالم:
موقع حيوي لخدمة منطقة تجارية مزدحمة، وجرى تزويده بكاميرات مراقبة ضمن خطة الأمن الحضري.
تنظيم بالتنسيق مع الحي والعمل
بحسب ما أكده الدكتور إبراهيم صابر، نائب محافظ القاهرة للمنطقة الشرقية، فإن أماكن الانتظار تُدار بالتعاون بين رؤساء الأحياء والإدارة العامة للتشغيل بوزارة التنمية المحلية، ويتم تسجيل العمال الراغبين في التواجد بها، مع منحهم بطاقات تعريف مهنية تسهّل استدعاءهم من قبل المقاولين أو المواطنين الباحثين عن خدمات التحميل والترحيل.
ويضيف صابر: "المبادرة تهدف إلى تحقيق شقين؛ الأول اجتماعي وإنساني، والثاني تنظيمي وحضاري، فنحن نمنع التكدس العشوائي على الأرصفة، ونُوفر بيئة آمنة تحفظ كرامة العامل وتُسهّل استفادة المجتمع من خدماته."
لفتة حضارية.. وآمال بالتوسع
"أشرف عبد الموجود"، أحد عمال الترحيل:"زمان كنا بنقف على الرصيف ساعات وسط التراب والزحمة، وممكن الشرطة تيجي تفرقنا، دلوقتي بقينا بنقعد في مكان آدمي، وعارفين نظام الدور، وفي ناس بتدور علينا بتيجي لحد الساحة."
ويأمل الكثير من العمال أن يتم توسيع التجربة لتشمل باقي أحياء القاهرة، خاصة في مناطق شبرا، والمرج، ومدينة نصر، حيث يكثر العمل في مجالات البناء والنقل.
ردود فعل مجتمعية
لاقى المشروع ترحيبًا واسعًا من المواطنين، الذين عبّروا عن ارتياحهم لاختفاء مشاهد التكدس والفوضى أمام الأسواق والمحال، واعتبروا المشروع خطوة باتجاه حضارة الشارع المصري، وتحقيق العدالة الاجتماعية في أبسط صورها.
من جانبها، أكدت وزارة العمل أنها تسعى إلى تعميم التجربة على باقي المحافظات الكبرى مثل الإسكندرية، الجيزة، والمنصورة، في إطار خطة متكاملة لتقنين العمالة غير المنتظمة وتوفير الحد الأدنى من الحماية الاجتماعية لها.